المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2003 (3) باب

اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

[ 1038 ] عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان .

قال نافع : وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المسجد .

رواه البخاري (2025)، ومسلم (1171) (2)، وأبو داود (2465)، وابن ماجه (1773) .


[ ص: 247 ] (3) ومن باب: اعتكاف العشر الأواخر من رمضان قول نافع : ( وقد أراني عبد الله المكان الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف فيه ) ; يعني : الموضع الذي كان اختصه لنفسه ; الذي كانت عليه القبة التركية ، ومع أنه اختص بموضع من المسجد فهو كان الإمام في حال اعتكافه ، فكان يصلي بهم في موضعه المعتاد ، ثم يرجع إلى معتكفه بعد انقضاء صلاته .

وتحصل منه : جواز إمامة المعتكف ، وقد منعها سحنون في أحد قوليه في الفرض والنفل . والجمهور على جواز ذلك .

واختلف من هذا الباب في مسائل :

منها : أذان المعتكف ، منعه مالك مرة وأجازه أخرى . والكافة على جوازه ، وهذا في المنار . أما في غيره فلا خلاف في جوازه ، فيما أعلم .

وأما خروجه لعيادة المرضى ، أو لصلاة على جنازة : فمنع ذلك مالك ، وكافتهم ، وأجازه الحسن ، والنخعي ، وغيرهما . وأجاز إسحاق ، والشافعي اشتراط ذلك عند دخوله في التطوع لا النذر . واختلف فيه قول أحمد . ومنع ذلك مالك وغيره .

[ ص: 248 ] ومنع مالك اشتغاله في المسجد بسماع علم ، وكتابته ، أو بالأمور المباحة كالعمل في الخياطة وشبه ذلك ، إلا فيما خف من هذا كله .

وأباح له الشافعي وأبو حنيفة الشغل في المسجد بما يباح من ذلك كله ، أو يرغب فيه من طلب العلم .

وأما خروج المعتكف من المسجد فلا يجوز إلا لقضاء حاجته ، أو شراء طعام ، أو شراب مما يحتاج إليه ولم يجد من يكفيه ذلك ; لقول عائشة : (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) ; تعني به : الحدث . ويلحق به ما يكون محتاجا إليه كشراء طعام وشراب على ما تقدم .

وإدامته - صلى الله عليه وسلم - الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ; إنما كان لما أبين له : أن ليلة القدر فيه ، وإلا فقد اعتكف في العشر الأول وفي الوسط على ما تقدم من حديث أبي سعيد .

ثم من اعتكف في العشر الأواخر من رمضان ; فهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد ; فيصلي ، وحينئذ يرجع إلى منزله ؟ أو يجوز له أن يخرج عند غروب الشمس من آخر يوم رمضان ؟ قولان للعلماء ; والأول هو قول مالك ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما . وهو محكي عن السلف .

واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل ; هل يبطل اعتكافه ؟ أم لا يبطل ؟ قولان . وذهب الشافعي ، والليث ، والأوزاعي ، والزهري في آخرين : إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر ، ولا يلزمه شيء مما قاله مالك .

وظاهر مذهب مالك : أن ذلك على وجه الاستحباب ; لأن بعض السلف فعله ، ولأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكون أزواجه اعتكفن بعده حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد ، فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف ; لأن الراوي عنهن [ ص: 249 ] ساق اعتكاف النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتكافهن مساقا واحدا ، ولو خالفنه في المسجد لذكره ، وكان يقول : غير أن ذلك في بيوتهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية