المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1988 (4) باب

الأمر بالتماس ليلة القدر

[ 1041 ] عن ابن عمر ، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول لليلة القدر : إن ناسا منكم قد أروا أنها في السبع الأول ، وأري ناس منكم أنها في السبع الغوابر ، فالتمسوها في العشر الغوابر .

وفي رواية قال : من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر .

وفي أخرى : التمسوها في العشر الأواخر (يعني: ليلة القدر) فإن ضعف أحدكم ، أو عجز فلا يغلبن على السبع البواقي .

رواه أحمد (2 \ 44 و 75)، ومسلم (1165) (208 و 209 و 210 ) .


(4 و 5 و 6) ومن باب: الأمر بالتماس ليلة القدر

قوله : ( التمسوها ) ; هو أمر على جهة الإرشاد إلى وقتها ، وترغيب في اغتنامها ، فإنها ليلة عظيمة ، تغفر فيها الذنوب ، ويطلع الله تعالى فيها من شاء من ملائكته على ما شاء من مقادير خليقته ، على ما سبق به علمه ، ولذلك عظمها سبحانه بقوله : وما أدراك ما ليلة القدر إلى آخر السورة ، وبقوله : [ ص: 251 ] تعالى: حم ، والكتاب المبين ، إنا أنـزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم

معنى (يفرق) : يفصل ويبين . و (حكيم) محكم ; أي : متقن . و (أمرا) : منصوب على القطع ، ويصح بنزع الخافض ; أي : يفرق بأمر . فلما أسقط الخافض تعدى الفعل فنصب .

واختلف الناس اختلافا كثيرا في ليلة القدر : هل كانت مخصوصة بزمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو لا ؟ فالجمهور : على أنها ليست مخصوصة . ثم اختلفوا : هل هي متنقلة في الأعوام ، أو ليست متنقلة ؟ ثم الذين قالوا : إنها ليست متنقلة اختلفوا في تعيينها ، فمن معين ليلة النصف من شعبان . ومن قائل : هي ليلة النصف من رمضان . ومن قائل : هي ليلة سبع عشرة . ومن قائل : هي ليلة تسع عشرة . ثم ما من ليلة من ليالي العشر إلا وقد قال قائل : بأنها ليلة القدر . وقيل : هي آخر ليلة منه . وقيل : هي معينة عند الله تعالى غير معينة عندنا . وهذه الأقوال كلها للسلف والعلماء . وسبب اختلافهم اختلاف الأحاديث كما ترى .

قلت : والحاصل من مجموع الأحاديث ، ومما استقر عليه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلبها : أنها في العشر الأواخر من رمضان ، وأنها متنقلة فيه ، وبهذا يجتمع شتات الأحاديث المختلفة الواردة في تعيينها . وهو قول مالك ، والشافعي ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وغيرهم على ما حكاه أبو الفضل عياض . فاعتمد عليه ، وتمسك به .

التالي السابق


الخدمات العلمية