المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2036 [ 1058 ] وعن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا وضع رجله في الغرز ، وانبعثت به راحلته قائمة أهل من ذي الحليفة .

رواه أحمد (2 \ 18 و 39 )، والبخاري (2865)، ومسلم (1187) (27)، وابن ماجه (2961) .


وقول ابن جريج لابن عمر : ( رأيتك تصنع أربعا ، لم أر أحدا من أصحابك يصنعها ) ; أي : يجمعها في فعله كما كان يجمعها ابن عمر ، وإن كان يصنع بعضهم بعضها . واقتصار النبي - صلى الله عليه وسلم - على استلام الركنين اليمانيين ; لأن الركنين الآخرين ، وهما اللذان يليان الحجر ليسا على تأسيس إبراهيم عليه السلام - ، ولما ردها ابن الزبير على قواعد إبراهيم استلم الأركان كلها . قاله القابسي .

قال القاضي عياض : ولو بني الآن على ما بناه ابن الزبير لاستلمت كلها ، كما فعل ابن الزبير . والجمهور على مس الركنين اليمانيين ، وإن ذلك ليس بركن .

والنعال السبتية بكسر السين : منسوبة إلى السبت - بالكسر - ، هي التي أزال الدباغ شعرها . قال الشيباني : السبت : كل جلد مدبوغ . وقيل : السبت : دباغ يقلع الشعر ، وهذا القول أحسن من قول من قال : إنها منسوبة إلى السبت - بفتح السين - وهو : الحلق ; لأنه يلزم على القياس أن يقال : السبتية - بالفتح - ولم يسمع من يقوله هنا ، ولا من يرويه . وكانت عادة العرب لباس النعال بشعرها ، غير مدبوغة ، وإنما كان يلبس المدبوغة مما كانت تصنع بالطائف وغيره أهل الرفاهية والسعة ، كما قال شاعرهم :


. . . . . . . . . . . . . . يحذى نعال السبت ليس بتوأم

[ ص: 272 ] وأما صباغه بالصفرة ، فقيل : المراد به : صباغ الشعر . وقيل : صباغ الثياب .

قلت : وقد روى أبو داود من طرق صحاح ما يدل: على أن ابن عمر كان يصبغ لحيته وثيابه بالصفرة ، وذلك أنه روي عن زيد بن أسلم : أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى يملأ ثيابه ، فقيل له : لم تصبغ بها ؟ فقال : إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بها ، ولم يكن شيء أحب إليه منها ، كان يصبغ ثيابه كلها ، حتى عمامته . قال أبو عمر بن عبد البر : لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة إلا ثيابه .

وأما الخضاب : فلم يكن - صلى الله عليه وسلم - يخضب .

قلت : وقد روى أبو داود عن أبي رمثة ما يدل على خلاف ما قال أبو عمر . قال أبو رمثة : انطلقت مع أبي نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو ذو وفرة بها ردع من حناء ، وعليه بردان أخضران .

وأما اعتذار ابن عمر عن تأخيره الإهلال إلى يوم التروية فإنه لم ير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل حتى تنبعث به راحلته . فوجهه : أنه لما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحرم إلا إذا أخذ في أول عمل الحج ، وهو المشي إليه إذا انبعثت به الراحلة ; أخر [ ص: 273 ] هو الإحرام إلى يوم التروية ، حتى يكون مشيه في عمل الحج عقب إحرامه . وقد أبعد من قال : إن هذا من باب القياس . بل هو تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله على ما قررناه .

وقد اختلف اختيار العلماء والسلف في ذلك على قولين : وهما عند مالك . واستحب بعض شيوخنا : أن يهل يوم التروية من كان خارجا عن مكة ، ولمن كان داخل مكة أن يهل من أول الشهر ، وهو قول كثير من الصحابة والعلماء . وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قاله عياض .

ويوم التروية : هو اليوم الثامن ، وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه للخروج إلى منى . وقيل : لأنهم كانوا يحملون معهم الروايا بالماء ليلة منى ، فيروون من فيها .

والغرز للناقة كالركاب للفرس . وهو ما توضع فيه الرجل للركوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية