المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2061 [ 1064 ] وعنه وقال لزيد بن أرقم يستذكره ، كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو حرام ؟ قال: قال: أهدي له عضو من لحم صيد فرده فقال: إنا لا نأكله إنا حرم .

رواه أحمد (4 \ 367 و 374 )، ومسلم (1195)، وأبو داود (1850)، والنسائي (5 \ 184) .


[ ص: 277 ] (6) ومن باب: ما جاء في الصيد ولحمه للمحرم

( الأبواء ) - بفتح الهمزة ، والمد - : برية من عمل الفرع ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا . و ( ودان ) بفتح الواو ، وكذلك بينهما نحو ثمانية أميال بقرب من الجحفة .

و ( السقيا ) قرية جامعة هناك ، بينها وبين الفرع مما يلي الجحفة تسعة عشر ميلا . و ( تعهن ) بفتح التاء وكسرها ، وسكون العين . وقد سمع من العرب من يقول : ( بتعهن ) فيضم التاء ، ويفتح العين ، ويكسر الهاء . وروايتنا التقييد الأول . وهي : عين ماء على ميل من ( السقيا ) بالقاف لا بالفاء ، وهو : وادي العباديد ، على ثلاثة مراحل من المدينة .

و ( غيقة ) بالغين معجمة مفتوحة ، وبالقاف بينهما ياء ، باثنتين من تحتها : موضع من بلاد بني غفار ، بين مكة والمدينة . وقيل : هو قليب ماء لبني ثعلبة .

وقوله : ( إنا لم نردده عليك ) ، المحدثون يقيدون (لم نرده) بفتح الدال المضاعفة المجزومة ، وإن كان متصلا بهاء الضمير المضمومة . وقيده المحققون : بضم الدال مراعاة للواو المتولدة عن ضمها لها ، ولم يحفلوا بالهاء لخفائها ، وكأنهم قالوا : (ردوا) ; كما فتحوها مع هاء المؤنث مراعاة للألف ، وكأنهم [ ص: 278 ] قالوا : (ردا) ، وهذا مذهب سيبويه ، وأبي علي الفارسي ، وأهل التحقيق من أهل اللسان .

وقوله : ( إلا أنا حرم ) بفتح (أنا) على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل .

ولا خلاف في تحريم الصيد على المحرم . وفي تحريم ما صيد من أجله عليه . وعلى ذلك دل قوله تعالى : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وقوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ورد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصعب هذا الصيد : إنما كان لأنه خاف أن يكون صاده من أجله ، ألا تراه - صلى الله عليه وسلم - كيف قبل حمار البهزي حين قال : هو لكم يا رسول الله! فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسم بين الرفاق .

قال أبو محمد الأصيلي : إنما قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمار البهزي ; لأنه كان مكتسبا بالصيد ، فحمله على عادته ، ورد حمار الصعب لظنه أنه صاده من أجله .

فإن قيل : فهذا يشكل على مذهب مالك ; إذ يحكم : بأن ما صيد لأجل محرم لا يحل أكله ، وهو ميتة عنده ، ولم ينههم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بل سوغه لهم بتركه في أيديهم ، [ ص: 279 ] وإقرارهم عليه! فالجواب : إن ذلك الحكم إنما يلزم على مذهبه فيما تحقق أنه صيد لأجل المحرم ، وليس في هذا الحديث ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع بذلك ، ولا ظنه ، وإنما امتنع من ذلك فيما يظهر ورعا ; كما قال في التمرة : (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها) ، والله أعلم .

وقد أجاز غير واحد من العلماء أكل ما صاده حلال لمحرم لغير ذلك المحرم ; منهم : عثمان رضي الله عنه .

واختلفوا في حمار الصعب : هل أهداه للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيا أم ميتا ؟ وقد بوب البخاري على هذا الحديث ما يدل : على أنه فهم من الحديث أنه كان حيا ، وعلى هذا الفهم يستدل به : على أن المحرم يرسل ما بيده من صيد ; لأنه لم يسوغ لنفسه ملكه لأجل الإحرام ، وفيه أبواب من أحكام الهبات لا تخفى على متأمل .

قلت : والروايات الأخر تدل على أنه كان ميتا ، وأنه أتاه بعضو منه . ويصح الجمع بين هذه الروايات المختلفة ; إما على القول : بأنه ميت ، فإنه جاء بالحمار ميتا فوضعه بقرب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قطع منه ذلك العضو ، فأتاه به ، فصدق اللفظان . أو يكون أطلق اسم الحمار ، وهو يريد بعضه ، وهذا سائغ ، وهو من باب التوسع والتجوز .

وأما إن تنزلنا على أن الحمار كان حيا ، فيكون قد أتاه به ، فلما رده عليه ، وأقره [ ص: 280 ] بيده ذكاه ، ثم أتاه منه بالعضو المذكور ، ولعل الصعب ظن أنه إنما رده عليه لمعنى يخص الحمار بجملته ، فلما جاءه بجزئه أعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد كحكم الصيد ، لا يحل للمحرم قبوله ، ولا تملكه . وإنما احتجنا إلى هذه التكلفات لنرفع الاضطراب اللازم من تلك الروايات المختلفة على طريقتنا في روم الجمع بين الروايات المختلفة ، فإنه الأحسن إذا أمكن ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية