المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2069 (7) باب

ما يقتل المحرم من الدواب

[ 1068 ] عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم : الحية ، والغراب الأبقع ، والفأرة ، والكلب العقور ، والحديا .

وفي رواية : العقرب مكان الحية

رواه أحمد (6 \ 259)، والبخاري (3314)، ومسلم (1198) (67 و 68)، والنسائي (5 \ 208)، وابن ماجه (3087) .


[ ص: 284 ] (7) ومن باب: ما يقتل المحرم من الدواب

قوله : ( خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ) ، وقد تقدم : أن الفسق لغة هو الخروج مطلقا . وهو في لسان الشرع : اسم ذم ; إذ هو خروج عن الطاعة ، أو عن الحرمة . وتسميته - صلى الله عليه وسلم - هذه الخمس فواسق : لأنهن خرجن عن الحرمة التي لغيرهن من الحيوانات ، لا سيما على المحرم ، وفي الحرم ، وفي الصلاة . ويحتمل أن يقال : سميت فواسق : لخروجهن من حجرتهن لإضرار بني آدم ، وأذاهم .

وهذا الحديث روي من طرق متعددة ، فذكر في بعضها لفظ : (خمس) ، ولم يذكره في بعضها . فالألفاظ التي ذكر فيها : (خمس) لم تزد ، غير أنه ذكر في بعضها : الحية ، وفي بعضها : العقرب بدل الحية . وهي في كل ذلك خمس . وأما التي لم يذكر فيها لفظ الخمس ، فجمع فيها بين العقرب والحية . فصارت ستا . وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى ، فعددها لذلك بعضهم سبعا ، وليس كذلك ; لأن الحية تناولت الأفعى وغيرها من جنسها ، وإنما هو خلاف لفظي .

والصحيح : أنها ست ، كما جاء في الطريق التي لا حصر فيها .

قال القاضي أبو الفضل : لا خلاف بين العلماء في استعمال الحديث ، وجواز قتل ما ذكر فيه للمحرم ، إلا شذوذا ، روي عن علي رضي الله عنه أنه لا يقتل الغراب ، لكن يرمى . ولا يصح عنه . وحكي عن النخعي : أنه لا يقتل المحرم الفأرة ، فإن قتلها فداها . وهذا خلاف النص .

واختلف العلماء : هل المراد بما سمي في الحديث أعيانها ، أم التنبيه على المعاني المتأذي بها منها ؟ قال الإمام أبو عبد الله : فمالك ، والشافعي يريان الحكم يتعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها ، وأنها إنما ذكرت لينبه بها على ما شركها في [ ص: 285 ] العلة . فقال الشافعي : العلة أن لحومها لا تؤكل ، وكذلك : كل ما لا يؤكل لحمه من الصيد . ورأى مالك : أن العلة كونها مضرة ، وأنه إنما ذكر الكلب العقور لينبه به على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس ، وذكر الحدأة والغراب للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاء .

وقد اختلف في المراد بالكلب العقور . فقيل : هو الكلب المألوف . وقيل : المراد به كل ما يفترس ; لأنه يسمى في اللغة : كلبا . ومذهب مالك أن ما لا يبتدئ جنسه بالأذى - كسباع الطير - لا يقتل إلا أن يخافه المرء على نفسه ، فتؤدي مدافعته إلى قتله ، فلا شيء عليه . وأما قتل صغار ما يجوز قتل كباره ; فلا يجوز على قول . وعلى هذا: لو قتلها ; فهل عليه جزاء أم لا ؟ فقولان .

وقوله : ( الغراب الأبقع ) ; تقييد لمطلق الروايات الأخر التي ليس فيها الأبقع . وبذلك قالت طائفة ، فلا يجيزون إلا قتل الأبقع ، وهو الذي في بطنه وظهره بياض . وغير هذه الطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان . ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية