المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2091 (10) باب

غسل المحرم رأسه

[ 1075 ] عن عبد الله بن حنين ، عن عبد الله بن عباس ، والمسور بن مخرمة ، أنهما اختلفا بالأبواء ، فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه ، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه . فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري أن أسأله عن ذلك .فوجدته يغتسل بين القرنين ، وهو يستتر بثوب . قال: فسلمت عليه ، فقال: من هذا ؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يغسل رأسه وهو محرم ؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا إلي رأسه ، ثم قال: لإنسان يصب : اصبب فصب على رأسه ، ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، ثم قال: هكذا رأيته - صلى الله عليه وسلم- يفعل .

وفي رواية : قال: فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعا على جميع رأسه ، فأقبل بهما وأدبر ، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدا .


رواه البخاري (1840)، ومسلم (1205) (59)، وأبو داود (1840)، والنسائي (5 \ 128)، وابن ماجه (2934) .


[ ص: 291 ] (10) ومن باب: غسل المحرم رأسه

اختلاف ابن عباس والمسور لم يكن في جواز أصل غسل الرأس ; لأنه من المعلوم عندهما وعند غيرهما : أنه يغتسل من الجنابة إن أصابته ، ويغتسل لدخول مكة ، وللوقوف بعرفة . وإنما كان الاختلاف بينهما في كيفيته . فهل يدلكه ، أو لا يدلكه ؟ لأنه يخاف منه قتل الهوام ، أو إنقاؤها عن رأسه وجسده وإزالة الشعث . ولإمكان هذه الأمور منع منه المسور ، ولم يلتفت ابن عباس إلى إمكان تلك الأمور ; لأنه إذا ترفق في ذلك سلم مما يتقى من تلك الأمور . وقد كان ابن عباس علم ذلك من حديث أبي أيوب ، ولذلك أحال عليه ، وأرسل إليه ، والله تعالى أعلم .

و (القرنان) : هما الخشبتان القائمتان على رأس البئر ، أو شبههما من البناء ، تمد بينهما خشبة يجر عليها الحبل ; ليستقى عليه ، أو لتعلق عليه البكرة .

وقوله : ( ثم قال لإنسان يصب : اصبب فصب ) ; دليل على جواز [ ص: 292 ] الاستعانة بالصاحب والخادم في الطهارة .

وقوله : ( ثم حرك رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر ) ; يدل لابن عباس على صحة ما ذهب إليه : من أن المحرم يغتسل ، ويغسل رأسه ، ويدلكه . وعليه الجمهور . وقد روي عن مالك كراهية ذلك لغير الجنابة . وذلك لما ذكر آنفا . وفيه دليل لمالك على اشتراط التدلك بالغسل ; لأنه لو جاز الغسل بغير تدلك لكان المحرم أحق بأن يجاز له ترك التدلك ، ولم فلا . وفيه دليل : على أن حقيقة الغسل لغة لا يكفي فيه صب الماء فقط ، بل لا بد من الدلك ، أو ما يتنزل منزلته .

وقوله : ( لا أماريك أبدا ) ; أي : لا أجادلك ، ولا أخاصمك .

التالي السابق


الخدمات العلمية