المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2096 (11) باب

المحرم يموت ، ما يفعل به ؟

وهل للحاج أن يشترط ؟

[ 1076 ] عن ابن عباس ، أن رجلا كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- محرما ، فوقصته ناقته فمات ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه بطيب ، ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبدا .

وفي رواية ملبيا .

وفي أخرى : فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يغسلوه بماء وسدر ، وأن يكشفوا وجهه ، حسبته قال : ورأسه فإنه يبعث وهو يهل .

رواه أحمد (1 \ 215)، والبخاري (1851)، ومسلم (1206) (98 و 99)، والنسائي (5 \ 195)، وابن ماجه (3084) .


[ ص: 293 ] (11) ومن باب: المحرم يموت ، ما يفعل به ؟

قوله : ( فوقصته ناقته ) ; أي : أوقعته فاندقت عنقه . يقال لمن اندقت عنقه : وقص ، فهو موقوص ، على بناء ما لم يسم فاعله . وروي : (فأوقصته) - رباعيا - وهما لغتان ، والثلاثي أفصح . ويروى : (فقعصته) ، بمعنى : قتلته لحينه . ومنه قعاص الغنم ، وهو : موتها بداء يأخذها فلا يلبثها .

وقوله : ( فاغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبيه ، ولا تمسوه بطيب ، ولا تخمروا رأسه ) ; أي : لا تغطوه . قال بمقتضى ظاهر هذا الحديث الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . فقالوا : إذا مات المحرم لا يحنط ، ولا يغطى رأسه . وقال مالك ، والكوفيون ، والحسن ، والأوزاعي : إنه يفعل به ما يفعل بالحلال . وكأنهم رأوا : أن هذا الحكم مخصوص بذلك الرجل . واستدل لهم بوجهين :

أحدهما : أن التكاليف إنما تلزم الأحياء ، لا الأموات .

وثانيهما : أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ) ; تصريح بالمقتضي لذلك ، ولا يعلم ذلك غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فهو إذا تعليل قاصر على ذلك الرجل .

[ ص: 294 ] وقد أجيب عن الأول : بأن الميت وإن كان غير مكلف ; فالحي هو المكلف بأن يفعل به ذلك .

وعن الثاني : أنه وإن لم يعلم ذلك غير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه يرجي من فضل الله أن يفعل ذلك بكل من اتفق له من المحرمين مثل ذلك .

وهذا كما قد قال - صلى الله عليه وسلم - في الشهيد : (إنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دما ، اللون لون دم ، والعرف عرف مسك) . وقد سوى أبو حنيفة بين الشهيد والمحرم فقال : إن كل واحد منهما يغسل ، ويكفن ، ويصلى عليه على أصل المشروعية في الموتى . وسوى الشافعي في كونهما يدفنان في ثيابهما ، غير أن المحرم يغسل ، ولا يصلى عليه . وقال مالك في المحرم بقول أبي حنيفة ، وفي الشهيد بقول الشافعي .

وقوله : ( ولا تخمروا رأسه ) أو (اكشفوا وجهه) ; حجة لمالك وأبي حنيفة على قولهما : إن إحرام الرجل في رأسه ووجهه . والجمهور : على أن الإحرام على الرجل في وجهه .

وقوله : ( اغسلوه بماء وسدر ) ; يدل : على أن حكم الإحرام ساقط عنه ; إذ لا يجوز أن يغتسل المحرم بالسدر ، والخطمي ، وشبههما ; لأن ذلك يزيل الشعث ، والدرن ، وقد منعه مالك من الخطمي والتدليك الشديد ، وقال : عليه الفدية إن فعل . ونحوه عن الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأبي ثور . وقال محمد ، وأبو يوسف - صاحبا أبي حنيفة : عليه صدقة . وقال أبو ثور : لا شيء عليه . ورخص [ ص: 295 ] طاوس ، وعطاء ، ومجاهد ، وابن المنذر للمحرم في غسل رأسه بالخطمي .

وقوله : ( في ثوبيه ) ، كذا في أكثر الروايات ، وفي بعضها : (في ثوبين) ، فعلى الرواية الأولى : يحتج به الشافعي في بقاء حكم الإحرام عليه ; لأنه أمر أن يكفن في ثيابه التي كانت عليه . ومن رواه : (في ثوبين) ، فيحتمل أن يريد بهما : ثوبيه . ويحتمل أن يزيدوا على ثوبه الذي أحرم فيه ثوبين ليكون كفنه وترا . والأول أولى ; لأن إحدى الروايتين مفسرة للأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية