المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2115 (13) باب

تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

[ 1080 ] عن عائشة قالت: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا نذكر إلا الحج .

- وفي أخرى : لبينا بالحج - حتى جئنا سرف فطمثت ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي فقال: ما يبكيك؟ فقلت: والله لوددت أني لم أكن خرجت العام قال: ما لك لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال:
هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ، افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري . قالت: فلما قدمت مكة. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : لأصحابه: اجعلوها عمرة ، فأحل الناس إلا من كان معه الهدي ، قالت: فكان الهدي مع النبي - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعمر وذوي اليسارة، ثم أهلوا حين راحوا ، قالت: فلما كان يوم النحر طهرت. فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأفضت. قالت: فأتينا بلحم بقر فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن نسائه البقر.

وفي رواية : فقيل : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه - فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله! يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع بحجة؟! قالت: فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر فأردفني على جمله. قالت: فإني لأذكر وأنا جارية حديثة السن أنعس فيصيب وجهي مؤخرة الرحل ، حتى جئنا إلى التنعيم، فأهللت منها بعمرة جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا .


رواه أحمد (6 \ 273)، والبخاري (294)، ومسلم (1211) (120 و 121 و 125 )، وأبو داود (1782)، وابن ماجه (2963) .


[ ص: 305 ] (13) ومن باب: تفعل الحائض المناسك كلها إلا الطواف

قولها : ( لا نذكر إلا الحج ) ، و ( لبينا بالحج ) ، قد تقدم : أن هذا إخبار منها عن غالب أحوال الناس ، أو عن أحوال أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأما هي ، فقد قالت : إنها لم تهل إلا بعمرة .

و ( طمثت) : حاضت ، ويقال : بفتح الميم وكسرها .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) ; يعني : الحيض . وكتبه عليهن ; أي : جبلهن عليه ، وثبته عليهن . وهو تأنيس لها ، وتسلية ، وهو دليل على ميله لها ، وحنوه عليها . وكم بين من يؤنس ويسترضى ، وبين من يقال له : (عقرى حلقى) ؟! .

وقوله : ( غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) ; هذا يدل على اشتراط [ ص: 306 ] الطهارة في الطواف . وهو مذهب الجمهور . فلا يجوز عندهم طواف المحدث . وصححه أبو حنيفة ، وأحمد في أحد قوليه ، ورأيا عليه الدم، واعتذرا عن الحديث : بأنه إنما أمرها باجتناب الطواف لأجل المسجد ، وليس بصحيح ; لأنه لو أراد ذلك لقال لها : لا تدخلي المسجد . ولما قال لها : لا تطوفي بالبيت ، كان ذلك دليلا على منع الطواف لنفسه . ويدل على ذلك أيضا : ما خرجه النسائي ، والترمذي عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (الطواف بالبيت صلاة) .

وإذا جعله الشرع صلاة اشترط فيه الطهارة ; كما اشترطها فيها ; إذ قد قال - صلى الله عليه وسلم - : (لا تقبل صلاة بغير طهور) ، والله تعالى أعلم .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : (اجعلوها عمرة) ; إنما قال هذا لمن أحرم بالحج ولم يسق الهدي على ما يأتي .

وقولها : ( فحل الناس ) ; أي : من لم يكن معه هدي .

وقولها : ( ثم أهلوا [ ص: 307 ] حين راحوا ) ; تعني : من حل منهم عند فراغه من العمرة أهل عند خروجه إلى منى بالحج .

وقولها : ( أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه البقر ) ; يدل على أن البقر مما يهدى ، وعلى أنه يجوز أن يهدي الرجل عن غيره وإن لم يعلمه ، ولا أذن له . وكان هذا الهدي - والله أعلم - عنهن تطوعا عمن لم يجب عليها هدي ، وقياما بالواجب عمن وجب عليها منهن هدي ; كما قررناه في حديث عائشة ، والله تعالى أعلم .

وقولها : ( فلما كانت ليلة الحصبة ) - بسكون الصاد - ، وهي : الليلة التي ينزل الناس فيها المحصب عند انصرافهم من منى إلى مكة . والتحصيب : إقامتهم بالمحصب ، وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح ، وهو منزل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين انصرف من حجته ، وهو خيف بني كنانة ; الذي تقاسمت فيه في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم ، وهو بين مكة ومنى ، وربما يسمى : الأبطح ، والبطحاء : لقربه منه . ونزوله بعد النفر من منى ، والإقامة به إلى أن يصلي الظهر والعصر والعشاءين ويخرج منه ليلا سنة عند مالك ، والشافعي ، وبعض السلف ; اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يره بعضهم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .

وأمره - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن أن يعمر عائشة من التنعيم ; دليل على أن العمرة فيها الجمع بين الحل والحرم ، وهو قول الجمهور . وقال قوم : إنه يتعين الإحرام بها من التنعيم خاصة ، وهو ميقات المعتمرين من مكة أخذا بظاهر هذا الحديث .

واختلف الجمهور فيمن أحرم بالعمرة من مكة ، ولم يخرج إلى الحل ، فقال عطاء : لا شيء عليه . وقال أصحاب الرأي ، وأبو ثور ، والشافعي في أحد قوليه : عليه [ ص: 308 ] الدم . وكأنه جاوز الميقات . وقال مالك والشافعي أيضا : لا يجزئه ، ويخرج إلى الحل .

التالي السابق


الخدمات العلمية