المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2141 (18) باب

في قوله تعالى : أفيضوا من حيث أفاض الناس

[ 1095 ] عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال: كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس ، والحمس: قريش وما ولدت ، كانوا يطوفون عراة ، إلا أن يعطيهم الحمس ثيابا ، فيعطي الرجال الرجال، والنساء النساء. وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة ، وكان الناس كلهم يبلغون عرفات ، قال هشام: فحدثني أبي عن عائشة قالت: الحمس هم الذين أنزل الله فيهم: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس قالت: كان الناس يفيضون من عرفات ، وكانت الحمس يفيضون من المزدلفة. يقولون لا نفيض إلا من الحرم . فلما نزلت: أفيضوا من حيث أفاض الناس رجعوا إلى عرفات.

رواه البخاري (4520)، ومسلم (1219) (152)، وأبو داود (1910)، والترمذي (884)، والنسائي (5 \ 255)، وابن ماجه (3018) .


(18) ومن باب قوله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس

أي : تفرقوا . والإفاضة : التفرق في كثرة ، من إفاضة الماء . قال :


فأفضن بعد كظومهن بجرة من ذي الأبارق إذ رعين حقيلا

[ ص: 345 ] وقال الأصمعي : الإفاضة : الدفعة ، ومنه : فيض الدمع .

وقال الخطابي : أصل الفيض : السيلان . واختلف المفسرون فيمن المراد : بـ : الناس ؟ فقيل : آدم ، وقيل : إبراهيم . وقيل : سائر الناس غير الحمس . وهم قريش ، ومن ولدت ، وكنانة وجديلة . وسموا حمسا ; لأنهم تحمسوا في دينهم ; أي : تشددوا ، ولذلك كانوا ابتدعوا أمرا دانت لهم العرب به .

وقال الحربي : سموا حمسا بالكعبة ; لأنها حمساء ; حجرها أبيض يضرب إلى السواد . وكان مما ابتدعته الحمس : أنه لا يطوف أحد بالبيت وعليه أثوابه إلا الحمس ، فكان الناس يطوفون عراة إلا الحمس ، أو من يعطيه أحمسي ثوبا ، وإن طاف أحد في ثوبه ألقاه بالأرض ، ولم يعد له ، ولا يأخذه أحد ، لا هو ، ولا غيره ، ولا ينتفع به . وكانت تسمى تلك الثياب : اللقى ; لإلقائها بالأرض ، فأنزل الله تعالى : خذوا زينتكم عند كل مسجد وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يطوف بالبيت عريان) . وكذلك يفيضون من مزدلفة [ ص: 346 ] والناس من عرفة ، فأنزل الله تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس فأحكم الله آياته ، والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية