المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2147 (20) باب

الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

[ 1097 ] عن عبد الله بن شقيق: كان عثمان ينهى عن المتعة ، وكان علي يأمر بها ، فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: لقد علمت أنا قد تمتعنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: أجل ، ولكنا كنا خائفين .

وفي رواية ، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنهى عنه ، فقال عثمان: دعنا منك ، فقال: إني لا
أستطيع أن أدعك ، فلما رأى علي ذلك أهل بهما جميعا.

رواه مسلم (1223) (158 و 159 )، والنسائي (5 \ 152) .


(20) ومن باب: الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

قد تقدم أن أنواع الإحرام ثلاثة : إفراد ، وقران ، وتمتع ، وأنها مجمع عليها . وإنما الخلاف في الأفضل منها . واختلف المتأولون في هذه المتعة التي اختلف فيها عثمان وعلي رضي الله عنهما : هل هي فسخ الحج في العمرة ، وهي التي يجمع فيها بين حج وعمرة في عمل واحد ، وسفر واحد ؟ فمن قال بالأول صرف خلافهما إلى : أن عثمان كان يراها خاصة بمن كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع . وكان علي لا يرى خصوصيتهم في ذلك .

ويستدل على هذا بقول عثمان : ( أجل ; ولكنا كنا خائفين ) أي : من فسخ الحج في العمرة ، فإنه على خلاف الإتمام الذي [ ص: 350 ] أمر الله به ، وفيه بعد . والأظهر : القول الثاني ، وعليه : فخلافهما إنما كان في الأفضل ، فعثمان كان يعتقد : أن إفراد الحج أفضل ، وعلي - رضي الله عنه - كان يعتقد : أن التمتع أفضل . إذ الأمة مجمعة : على أن كل واحد منهما جائز ، وعليه فقوله : ( ولكنا كنا خائفين ) أي : من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من تمتع منهم . فالخوف من التمتع . ولما ظن علي أن ذلك يتلقى من عثمان ، ويقتدى به ، فيؤدي ذلك إلى ترك التمتع والقران ; أهل بالقران ليبين: أن كل واحد منهما مسوغ ، أو لأنهما عنده أفضل من الإفراد ، من حيث إن كل واحدة منهما في عملين ، والمفرد في عمل واحد ، والله تعالى أعلم .

وهذا الذي ظهر لعثمان هو الذي كان ظهر لعمر رضي الله عنهما من قبله ، كما قال عمران بن حصين رضي الله عنه ، فإنه ظهر من استدلال عمر - بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين حج وعمرة - أن الذي منعه عمر هو ما عدا الإفراد . وهذا منه محمول على أنه كان يعتقد : أن الإفراد أفضل من التمتع والقران . وكان عمران يعتقد : أن الإفراد أفضل ، ولذلك قال : ( قال رجل برأيه ما شاء ) يعني به : عمر ، بعد أن روى : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن . وليست هذه المتعة التي منعها ابن عمر -هنا - هي التي منعها هو في حديث ابن الزبير ، بل تلك فسخ الحج في العمرة ، كما تقدم .

وعلى الجملة : فأحاديث هذا الباب كثيرة الاختلاف والاضطراب . وما ذكرناه أشبه بالصواب . والله الموفق الملهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية