المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2159 (21) باب الهدي للمتمتع والقارن

[ 1099 ] عن ابن عمر قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى وساق معه الهدي من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج ، وتمتع الناس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة إلى الحج. فكان من الناس من أهدى فساق الهدي. ومنهم من لم يهد ، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة قال للناس: من كان منكم أهدى ، فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى ، فليطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر ، وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد . فمن لم يجد هديا ، فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، وطاف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم مكة ، واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع ، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا ، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ، ونحر هديه يوم النحر ، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهدى فساق الهدي من الناس .

رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، وأبو داود (1805)، والنسائي (5 \ 151 و 152 ) .


[ ص: 352 ] (21) ومن باب : الهدي للمتمتع والقارن

قول ابن عمر : ( تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ) هذا الذي روي هنا عن ابن عمر : من أنه - صلى الله عليه وسلم - تمتع ، مخالف لما جاء عنه في الرواية الأخرى من أنه أفرد الحج . واضطراب قوليه يدل على أنه لم يكن عنده من تحقيق الأمر ما كان عند من جزم بالأمر ، كما فعل أنس على ما تقدم ; حيث قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (لبيك بحجة وعمرة) .

ثم اعلم : أن كل الرواة الذين رووا إحرام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس منهم من قال : إنه - صلى الله عليه وسلم - حل من إحرامه ذلك حتى فرغ من عمل الحج ، وإن كان قد أطلق عليه لفظ التمتع ، بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث : إنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، ولم يقل : إنه حل من عمرته ، بل قال في آخر الحديث : بعد أن فرغ من طواف القدوم ، أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يحلل من شيء حرم عليه حتى قضى حجه . وهذا نص في أنه لم يكن متمتعا . فتعين تأويل قوله : تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيحتمل أن يكون معناه : قرن ; لأن القارن يترفه بإسقاط أحد العملين ، وهو الذي يدل عليه قوله بعد هذا : فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ، ويحتمل أن يكون معناه : أنه - صلى الله عليه وسلم - لما أذن في التمتع أضافه إليه ، وفيه بعد .

وقوله : ( فأهل بالعمرة ، ثم أهل بالحج ) ; ظاهره : أنه أردف . وظاهر حديث [ ص: 353 ] أنس : أنه قرنهما معا . فإنه حكى فيه لفظه فقال : سمعته يقول : (لبيك عمرة وحجا) ، وقد استحب مالك للقارن أن يقدم العمرة في لفظه ; اقتداء بهذه الأخبار .

وقوله للمتمتعين : ( فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع ) هذا نص ما تضمنته آية المتعة . وقد اختلف في مواضع منها :

أولها : قوله : فما استيسر من الهدي ذهب جماعة من السلف إلى أنه شاة ، وهو قول مالك . وقالت جماعة أخرى : هو بقرة دون بقرة ، وبدنة دون بدنة . وقيل : المراد بدنة ، أو بقرة ، أو شاة ، أو شرك في دم .

وقوله : ( فليصم ثلاثة أيام في الحج ) ذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام بالحج ، وهو مقتضى الآية والحديث ، وقال أبو حنيفة والثوري : يصح صوم الثلاثة الأيام بعد الإحرام بالعمرة ، وقبل الإحرام بالحج ، ولا يصومها بعد أيام الحج ، وهو مخالف لنص الكتاب والسنة. والاختيار عندنا : تقديم صومها في أول الإحرام ، وآخر وقتها : آخر أيام التشريق عندنا ، وعند الشافعي . فمن فاته صومها في هذه الأيام صامها عندنا بعد . وقال أبو حنيفة : آخر وقتها يوم عرفة ، فمن لم يصمها إلى يوم عرفة فلا صيام عليه ، ووجب عليه الهدي . وقال مثله الثوري ; إذا ترك صيامها أيام الحج . وللشافعي قول كقول أبي حنيفة .

[ ص: 354 ] وقوله : ( وسبعة أيام إذا رجع ) ; حمله مالك والشافعي في أحد قوليهما على الرجوع من منى ، وأنه يصومها إن شاء بمكة ، أو ببلده. وهو قول أبي حنيفة . وللشافعي ومالك قول آخر : إنه الرجوع إلى بلده ، ولا يصومها حتى يرجع إلى أهله .

التالي السابق


الخدمات العلمية