المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2256 (36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

[ 1138 ] عن أسامة بن زيد قال : دفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء.

- وفي رواية : توضأ وضوءا خفيفا - فقلت له: الصلاة قال: "
الصلاة أمامك" فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها ، ولم يصل بينهما شيئا .

وفي رواية : فركب حتى جئنا المزدلفة ، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يحلوا حتى أقام العشاء الآخرة فصلى، ثم حلوا قلت: وكيف فعلتم حين أصبحتم؟ قال: ردفه الفضل بن عباس ، وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي
.

تقدم تخريجه برقم (1132) باب رقم (34).


[ ص: 390 ] (36) ومن باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

قوله في حديث أسامة : ( أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل فبال ، ثم توضأ ، ولم يسبغ الوضوء ) ; أي : لم يكمله . وهل اقتصر على بعض الأعضاء ; فيكون وضوءا لغويا؟ أو اقتصر على بعض الأعداد - وهو الواحدة مع استيفاء الأعضاء - فيكون وضوءا شرعيا ؟ قولان لأهل الشرح. وكلاهما محتمل. وقد عضد من قال بالشرعي قوله بقول الراوي : ( وضوءا خفيفا ) . فإنه لا يقال في الناقص من الأصل : خفيف ; وإنما يقال : خفيف ; في ناقص الكيفية . ولا خلاف في أن قوله : ( فأسبغ الوضوء ) : أنه شرعي.

وقوله : ( ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أقيمت العشاء ) ; دليل على جواز الاقتصار على الإقامة في الجمع من غير أذان . وقد تقدم الخلاف في ذلك في حديث جابر ، وأنه ذكر فيه الأذان للأولى. ويحتمل قوله : ( أقيمت ) - هاهنا - : شرع فيها ، ففعلت بأحكامها ، كما يقال : أقيمت السوق ، إذا حرك فيها ما يليق بها من البيع والشراء . ولم يقصد الإخبار عن الإقامة ، بل عن الشروع .

[ ص: 391 ] وقوله : ( ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ) ; يعني : أنهم بادروا بالمغرب عند وصولهم إلى المزدلفة ، فصلوها قبل أن ينوخوا إبلهم ، ثم لما فرغوا من صلاة المغرب نوخوها ، ولم يحلوا رحالهم من عليها ، كما قال في الرواية الأخرى ; وكأنها شوشت عليهم بقيامها ، فأزالوا ما شوش عليهم. ويستدل به على جواز العمل اليسير بين الصلاتين المجموعتين .

وقوله : ( ولم يصل بينهما شيئا ) ; حجة على من أجاز التنفل بين الصلاتين المجموعتين . وهو قول ابن حبيب من أصحابنا. وخالفه بقية أصحابنا ، فمنعوه .

وقوله : ( ولم يحلوا ) - بضم الحاء - ; يعني : أنهم لم يحلوا رحالهم ، ولا سبيل إلى كسر الحاء ، كما توهمه من جهل .

وقوله : ( كيف فعلتم حين أصبحتم ؟ قال : ردفه الفضل ابن عباس ، وانطلقت أنا في سباق قريش على رجلي ) ; فظهر منه أن هذا الجواب غير مطابق لما سأله عنه ، فإنه سأله عن كيفية صنعهم للنسك ، فأجابه بإردافه الفضل بن العباس ، وسبقه على رجليه. وليس كذلك ، بل هو مطابق ; لأنه أخبره بما يتضمن نفرهم من المزدلفة إلى منى ، فكأنه قال : نفرنا إلى منى .

التالي السابق


الخدمات العلمية