المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2275 [ 1144 ] وعن أم حبيبة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بها من جمع بليل ، وفي رواية : نغلس .

رواه مسلم (1292) ( 298 و 299) ، والنسائي ( 5 \ 262 ).
و ( الظعن ) : جمع ظعينة . وهن النساء في الهوادج . و ( هنتاه ) : منادى : هنة ; التي هي مؤنث هن ; الذي هو كناية عن نكرة ; كشيء ، ونحوه . ولا يستعمل : هناه ، ولا هنتاه إلا في النداء خاصة . ونون هنتاه ساكنة ، وأصل هائه أن تكون ساكنة ; لأنها للسكت ، لكنهم قد شبهوها بالضمائر فأثبتوها في الوصل ، وضموها ، كما قال امرؤ القيس :


وقد رابني قولها يا هنا ه ويحك ألحقت شرا بشر

فقولهم : يا هناه ; كقولك : يا رجل . و: يا هنتاه ; كـ : يا امرأة .

[ ص: 395 ] وفي هذه الأحاديث ما يدل على أن الكون بالمزدلفة بعد الوقوف بعرفة من شعائر الحج ، ومناسكه . ولا خلاف في ذلك ; إلا خلافا شاذا روي عن عطاء ، والأوزاعي : أن جمعا منزل كسائر منازل السفر ، من شاء طواه ، ومن شاء نزل به ، ورحل متى شاء .

ثم اختلف القائلون : بأنه مشروع . فمنهم من ذهب إلى أنه ركن يبطل الحج بفواته. وإليه ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام . وقال علقمة ، والشعبي ، والنخعي : من فاته جمع ، ولم يقف به ; فقد فاته الحج . والجمهور : على أنه يلزمه بفواته دم والحج صحيح .

ثم اختلف في القدر الذي يجزئ من ذلك . فقال الشافعي : إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه . وإن كان قبل ولم يعد إليها ; افتدى بشاة . وقال مالك : من نزل بها ; فلا دم عليه في أي وقت دفع منها ، وإن مر ولم ينزل ; فعليه الدم .

وأما الوقوف بالمشعر الحرام : فقد صار الشافعي ، والنخعي ، والأوزاعي : إلى أنه إن فاته الوقوف به ; فقد فاته الحج . واختلف فيه عن الثوري . والجمهور : على أنه ليس بواجب . ثم اختلفوا . فقال الكوفيون ، وفقهاء أصحاب الحديث : على تاركه دم . وذهب مالك : إلى أنه مستحب ، ولا يجب بتركه دم .

وسبب هذا الخلاف معارضة ظاهر قوله تعالى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام [البقرة:198] ; لما ثبت من السنة في إذنه - صلى الله عليه وسلم - لضعفة أهله في الدفع من المزدلفة قبل طلوع الفجر إلى منى ، ولم يأمرهم بالوقوف ، ولا بالدم على الترك ، فدل ذلك على أنه ليس بواجب ، ولا في تركه دم ، وما أمر به عبد الله بن عمر من قدمه من ضعفة أهله من الوقوف عند المشعر الحرام ، فذلك على جهة الاستحباب منه ، وهو حسن لمن فعله . وهذه [ ص: 396 ] الأحاديث تدل على أن الدفع للضعفة من المزدلفة قبل طلوع الفجر رخصة ، ولا خلاف في أن الأولى والأفضل المكث بالمزدلفة إلى أن يصلى الفجر بها ، ثم يقــف بالمشعر الحرام ، ثم يدفع منها بعد ذلك ، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم هل تلك الرخصة تختص بالإمام أو تتعدى إلى غيره ممن يحتاج إلى ذلك ؟ قولان عندنا . وابن عمر راوي الحديث فهم التعدي ، وأن من احتاج إلى ذلك فعله ، وهو الصحيح .

وقوله : ( فارتحلت حتى رمت الجمرة ، ثم صلت في منزلها ) ; يعني : صلاة الصبح . وظاهره : أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الفجر . وهو متمسك الشافعي على قوله بجواز رمي الجمرة من نصف الليل . وذهب الثوري ، والنخعي : إلى أنها لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس ; متمسكين بما في كتاب النسائي من حديث ابن عباس : أنه - صلى الله عليه وسلم - قدم ضعفة أهله ، وأمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس . وهو صحيح . ومذهب مالك : أن الرمي يحل بطلوع الفجر . متمسكا بقول عائشة : [ ص: 397 ] فأصلي الصبح بمنى ، وأرمي الجمرة . وبحديث ابن عمر ، وإليه ذهب أحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي .

التالي السابق


الخدمات العلمية