المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2327 [ 1173 ] وعن جابر قال: كنا نتمتع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعمرة ، ونذبح البقرة عن سبعة ، نشترك فيها.

رواه مسلم ( 1318) (355)، وأبو داود (2807)، والترمذي (904)، والنسائي ( 7 \ 222).


وقول جابر : (اشتركنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحج والعمرة كل سبعة في بدنة) : مع : هذه متعلقة بمحذوف ، تقديره : كائنين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يصح أن يكون متعلقا به (اشتركنا) ; لأنه كان يلزم منه أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدا من سبعة [ ص: 418 ] يشتركون في بدنة ، وأنهم شاركوه في هديه . والنقل الصحيح بخلاف ذلك ; كما تقدم في حديث جابر وغيره ، وإنما أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجتمع السبعة في الهدية من بدنهم . وأحاديث جابر مصرحة : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم بذلك في الحديبية ، وفي حجة الوداع . وبهذه الأحاديث تمسك الجمهور من السلف وغيرهم على جواز الاشتراك في الهدي . وممن قال بهذا ابن عمر ، وأنس ، وعطاء بن أبي رباح ، والحسن البصري ، وطاوس ، وسالم ، وعمرو بن دينار ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، حكاه ابن المنذر . قال : وقد روينا عن ابن عباس : أنه قال : البدنة عن سبعة ، وإن تمتعوا . وبه قال عطاء ، وطاوس ، وعمرو بن دينار ، والثوري ، والشافعي . قال : وقد روينا عن سعيد بن المسيب : أنه قال : تجزئ الجزور عن عشرة . وبه قال إسحاق .

قلت : وظاهر ما حكاه ابن المنذر : أنهم اشتركوا في الثمن ، وأنهم سووا في ذلك بين الهدي الواجب والتطوع ، من غير تقييد ، ولا تفصيل. قد فصل غيره الخلاف فقال : إن الشافعي يجيزه في الواجب ، وإن كان بعضهم يريد اللحم ، وبعضهم يريد الفدية. وأبو حنيفة يجيزه إذا أراد جميعهم الفدية ; حكاه الإمام أبو عبد الله ، وقال : عندنا في التطوع قولان . قال ابن المنذر ، وقال مالك : لا يشترك في شيء من الهدي ، ولا من البدن ، ولا النسك في الفدية ، ولا في شيء مما ذكرناه.

قلت : وكأن هذا الذي صار إليه مالك مستنده قول الله تعالى : فما استيسر من الهدي [البقرة: 196] وأقل ما يطلق عليه اسم الهدي شاة ، ولم يقل فيه أحد هو جزء مسمى من اللحم . وقوله تعالى : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [البقرة: 196] [ ص: 419 ] وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - النسك بشاة في حديث كعب بن عجرة ، فكان ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم ، فكأن هو المتعين ، ولأنهم قد اتفقوا : على أنه لا يجوز في الهدايا المريض البين المرض ، ولا المعيب بنقص عضو. وإذا كان كذلك مع صدق الاسم عليه فأحرى وأولى ألا يجوز جزء من اللحم . واعتذر عن حديث جابر : بأن ذلك كان في التطوع . وهو مستند أحد القولين المتقدمين ، وليس بالمشهور عن مالك . وبأن تلك الأحاديث ليس فيها تصريح بالاشتراك في الثمن ، فلعله قصد التشريك في الثواب ، أو التشريك في قسمة الجزور ، حتى تقسم البدنة أو الجزور سبع قسم بين سبعة نفر . والله أعلم .

وقد أشار إلى هذا جابر فقال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحللنا أن نهدي ، ويجتمع النفر منا في الهدية ، فإنه مشعر بأن التشريك إنما وقع بعد انفراد المهدي بالهدي ، فتأمله .

وهذا الخلاف إنما هو في الإبل والبقر . وأما الغنم : فلا يجوز الاشتراك فيها اتفاقا . وقد قدمنا أن اسم البدنة مأخوذ من البدانة . وهي عظم الجسم . وأن الجزور من الجزر ، وهو : القطع . وأن الجزور من الإبل ، والجزرة من الغنم . وقد فرق في حديث جابر بين البدن والجزور ; لأنه أراد بالبدنة ما ابتدئ هديه عند الإحرام . وبالجزور ما اشتري بعد ذلك للنحر . فكأنه ظهر للسائل : أن شأن هذه ، أخف في أمر الاشتراك مما أهدي من البدن . فأجابه بما معناه : أن الجزور لما اشتريت للنسك صار حكمها حكم البدن .

قلت : وقد سمعت من بعض مشايخنا : أن البدنة في هذا الحديث من الإبل .

[ ص: 420 ] والجزور فيه من البقر . وكأن السائل سأله عن البقرة ; هل يشترك فيها سبعة ; كما يشترك في البدنة ؟ فقال : هي منها في الحكم المسؤول عنه . وكأن هذا السائل لم يسمع في هذا ذكر البقر ، فسأل عنها ، والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية