المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2380 (50) باب

فرض الحج مرة في العمر

[ 1195 ] عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا" ، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله! فسكت حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: لو قلت: "نعم لوجبت، ولما استطعتم" ، ثم قال: "ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه.

رواه مسلم (1337) والنسائي (5 \ 110 – 111).


[ ص: 447 ] (50) ومن باب: فرض الحج مرة في العمر

قوله : ( قد فرض عليكم الحج فحجوا ) ; أي : أوجب ، وألزم . وإن كان أصل الفرض : التقدير ، كما تقدم . ولا خلاف في وجوبه مرة في العمر على المستطيع . وقد تقدم الكلام على الاستطاعة .

وقول السائل : ( أكل عام ؟ ) سؤال من تردد في فهم قوله : ( فحجوا ) بين التكرار والمرة الواحدة ، وكأنه عنده مجمل ، فاستفصل ، فأجابه بقوله : ( لو قلت نعم ؟ لوجبت ) ; أي : لوجبت المسألة ، أو الحجة في كل عام ، بحكم ترتيب الجواب على السؤال .

وقوله : ( ولما استطعتم ) ; أي : لا تطيقون ذلك ، لثقله ، ومشقته على القريب ، ولتعذره على البعيد .

وقوله : ( ذروني ما تركتكم ) ; يعني : لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مقيدة بوجه ما ظاهر وإن كانت صالحة لغيره . وبيان ذلك :

أن قوله : ( فحجوا ) وإن كان صالحا للتكرار ، فينبغي أن يكتفى بما يصدق [ ص: 448 ] عليه اللفظ ، وهو المرة الواحدة ، فإنها مدلولة للفظ قطعا ، وما زاد عليها يتغافل عنه ، ولا يكثر السؤال فيه لإمكان أن يكثر الجواب المترتب عليه ، فيضاهي ذلك قصة بقرة بني إسرائيل التي قيل لهم فيها : اذبحوا بقرة . فلو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ ، وبادروا إلى ذبح بقرة - أي بقرة كانت - لكانوا ممتثلين ، لكن لما أكثروا السؤال كثر عليهم الجواب ، فشددوا ، فشدد عليهم ، فذموا على ذلك ، فخاف النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل هذا على أمته ، ولذلك قال : ( فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ) ، وعلى هذا يحمل قوله : ( فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم ) ; يعني : بشيء مطلق . كما إذا قال : صم ، أو صل ، أو تصدق . فيكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم . فيصوم يوما ، ويصلي ركعتين ، ويتصدق بشيء يتصدق بمثله . فإن قيد شيئا من ذلك بقيود ، ووصفه بأوصاف لم يكن بد من امتثال أمره على ما فصل وقيد ، وإن كان فيه أشد المشقات ، وأشق التكاليف . وهذا مما لا يختلف فيه إن شاء الله تعالى أنه هو المراد بالحديث .

وقوله : ( وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) ; يعني : أن النهي على نقيض الأمر ، وذلك : أنه لا يكون ممتثلا بمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدا من آحاد ما يتناوله النهي ، ومن فعل واحدا فقد خالف ، وعصى ، فليس في النهي إلا ترك ما نهي عنه مطلقا دائما ، وحينئذ يكون ممتثلا لترك ما أمر بتركه ، بخلاف الأمر على ما تقدم . وهذا الأصل إذا فهم هو ومسألة مطلق الأمر ، هل يحمل على الفور ، أو التراخي ، أو على المرة الواحدة ، أو على التكرار ؟ وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية