المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2382 (51) باب

ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

[ 1196 ] عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال ......... إلا ومعها ذو محرم

رواه مسلم (1338) (414).


[ ص: 449 ] (51) ومن باب: ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

ظواهر أحاديث هذا الباب متواردة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر سفرا طويلا إلا ومعها ذو محرم منها أو زوج ، وسيأتي القول في أقل السفر الطويل ، وقد مر منه طرف في كتاب الصلاة ، فيلزم من هذه الأحاديث أن يكون المحرم شرطا في وجوب الحج على المرأة لهذه الظواهر ، وقد روي ذلك عن النخعي والحسن ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحاب الرأي وفقهاء أصحاب الحديث ، وذهب عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والأوزاعي ومالك والشافعي إلى أن ذلك ليس بشرط . وروي مثله عن عائشة رضي الله عنها ، لكن الشافعي - في أحد قوليه - يشترط أن يكون معها نساء أو امرأة ثقة مسلمة ، وهو ظاهر قول مالك على اختلاف في تأويل قوله " تخرج مع رجال أو نساء ; هل بمجموع ذلك أم في جماعة من أحد الجنسين ؟ وأكثر ما نقله أصحابنا عنه اشتراط النساء ، وسبب هذا الخلاف مخالفة ظواهر هذه الأحاديث لظاهر قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران: 97] وذلك أن قوله : من استطاع ظاهره الاستطاعة بالبدن كما قررناه آنفا ، فيجب على كل من كان قادرا عليه ببدنه ، ومن لم تجد محرما قادرة ببدنها فيجب عليها . فلما تعارضت هذه الظواهر اختلف العلماء في تأويل ذلك ; فجمع أبو حنيفة ومن قال بقوله بينهما بأن جعل الحديث مبينا للاستطاعة في حق المرأة ، ورأى مالك ومن [ ص: 450 ] قال بقوله أن الاستطاعة بينة في نفسها في حق الرجال والنساء وأن الأحاديث المذكورة في هذا لم تتعرض للأسفار الواجبة ، ألا ترى أنه قد اتفق على أنه يجب عليها أن تسافر مع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها ، وتهاجر من دار الكفر كذلك ، ولذلك لم يختلف في أنها ليس لها أن تسافر سفرا غير واجب مع غير ذي محرم أو زوج ، ويمكن أن يقال : إن المنع في هذه الأحاديث إنما خرج لما يؤدي إليه من الخلوة وانكشاف عوراتهن غالبا ، فإذا أمن ذلك بحيث يكون في الرفقة نساء تنحاش إليهن جاز - كما قاله الشافعي ومالك ، وأما مع الرجال المأمونين ففيه إشكال لأنه مظنة الخلوة وكشف العورة ، وقد أقام الشرع المظنة مقام العلة في غير ما موضع ، والله تعالى أعلم .

وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة " هو على العموم لجميع المؤمنات ; لأن " امرأة " نكرة في سياق النفي فتدخل فيه الشابة والمتجالة ، وهو قول الكافة . وقال بعض أصحابنا : تخرج منه المتجالة ; إذ حالها كحال الرجل في كثير من أمورها . وفيه بعد ; لأن الخلوة بها تحرم ، وما لا يطلع عليه من جسدها غالبا عورة ، فالمظنة موجودة فيها ، والعموم صالح لها ، فينبغي ألا تخرج منه ، والله تعالى أعلم .

وقوله " مسيرة ثلاث ، أو يومين ، أو يوم وليلة " لا يتوهم منه أنه اضطراب أو تناقض ، فإن الرواة لهذه الألفاظ من الصحابة مختلفون ، روى بعض ما لم يرو بعض ، وكل ذلك قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في أوقات مختلفة بحسب ما سئل عنه .

[ ص: 451 ] وأيضا فإن كل ما دون الثلاث داخل في الثلاث ، فيصح أن يعين بعضها ، ويحكم عليها بحكم جميعها ، فينص تارة على الثلاث وتارة على أقل منها؛ لأنه داخل فيها ، وقد تقدم الخلاف في أقل مدة السفر في باب القصر .

وقوله " إلا ومعها ذو محرم منها " ، هذا يعم ذوي المحارم سواء كان بالصهر أو بالقرابة ، وهو قول الجمهور ، غير أن مالكا قد كره سفر المرأة مع ابن زوجها ، قال : وذلك لفساد الناس بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية