المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2403 (55) باب

ثواب الحج والعمرة

[ 1208 ] عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، ..........والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" .

رواه أحمد ( 2 \ 462) والبخاري (1773)، ومسلم (1349)، والنسائي ( 5 \ 115 )، وابن ماجه (2888).


(55) ومن باب: ثواب الحج والعمرة

العمرة في اللغة هي الزيادة ، قال :


يهل بالفدفد ركبانها كما يهل الراكب المعتمر

[ ص: 462 ] وقال بعض اللغويين : الاعتمار والعمرة القصد ، قال :


لقد سما ابن معمر حين اعتمر      ... ... ...


أي حين قصد ، وهي في عرف الشرع زيارة البيت على أحكام مخصوصة .

وقد اختلف في حكمها ; فذهب جماعة من السلف على وجوبها ، وهو قول الأوزاعي والثوري وابن حبيب وابن الجهم من أصحابنا ، وحكي عن أبي حنيفة . وذهب آخرون إلى أنها ليست بواجبة ، وهو قول مالك ومشهور قول أبي حنيفة وأصحابه وداود . واختلفت الرواية فيها عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، إلا أن مالكا قال : إنها سنة مؤكدة . وبعض هؤلاء يجعلها مستحبة . ومتمسك من قال بوجوبها قوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله [البقرة: 196] وليس فيه حجة ; لأنا نقول بموجبه : فإن من شرع في شيء من أعمال الطاعات وجب عليه إتمامه، وإن كان مستحبا - وقد تقدم هذا المعنى غير ما مرة .

وقوله " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " ; يعني : لما يقع بينهما من السيئات . وقد استوفينا هذا المعنى في كتاب الطهارة ، وقد استدل بظاهر هذا من قال بجواز تكرار العمرة في السنة الواحدة وهم الجمهور وأكثر أصحاب مالك ، وذهب مالك إلى كراهية ذلك ، ومتمسكه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر خمس عمر كل عمرة منها في سنة غير الأخرى ، مع تمكنه من التكرار في السنة الواحدة ، ولم يفعل .

[ ص: 463 ] وأيضا : فإنها نسك مشتمل على إحرام وطواف وسعي ، فلا يفعل في السنة إلا مرة ، أصله الحج . وعلى قول مالك : لو أحرم بالعمرة المكررة لزمته . وقال آخرون : لا يعتمر في شهر أكثر من مرة واحدة - ولا حجة له في شيء مما تقدم .

وقوله " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " ، المبرور : اسم مفعول من بر ، مبني لما لم يسم فاعله ، فهو مبرور .

و (بر) : يتعدى بنفسه . يقال : بر الله حجك . ويبنى لما لم يسم فاعله ، فيقال : بر حجك ، فهو مبرور . ولا معنى لقول من قال : إنه لا يتعدى إلا بحرف الجر . واختلف في معنى المبرور ، فقيل : الذي لا يخالطه شيء من المأثم . وقيل : المتقبل . وقيل : الذي لا رياء فيه ولا سمعة .

قلت : وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى . وهو : أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موافقا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل ، والله تعالى أعلم .

وقوله " ليس له جزاء إلا الجنة " ; يعني أنه لا يقتصر فيه على مغفرة بعض الذنوب ، بل لا بد لصاحبه من الجنة بسببه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية