المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2441 [ 1229 ] وعنه أنه جاء أبا سعيد الخدري ليالي الحرة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألا صبر له على جهد المدينة ولأوائها ، فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " لا يصبر أحد على لأوائها وشدتها فيموت إلا كنت له شفيعا - أو شهيدا - يوم القيامة إذا كان مسلما" .

رواه مسلم (1374) (477).


[ ص: 492 ] وقوله " ليالي الحرة " يعني به حرة المدينة ، كان بها مقتلة عظيمة في أهل المدينة ، كان سببها أن ابن الزبير وأكثر أهل الحجاز كرهوا بيعة يزيد بن معاوية ، فلما مات معاوية وجه يزيد مسلم بن عقبة المدني في جيش عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها ، فهزمهم وقتلهم بحرة المدينة قتلا ذريعا ، واستباح المدينة ثلاثة أيام ، فسميت وقعة الحرة بذلك ، ثم إنه توجه بذلك الجيش يريد مكة ، فمات مسلم بقديد ، وولي الجيش الحصين بن نمير وسار إلى مكة ، وحاصر ابن الزبير ، وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها ، فبينما هم كذلك بلغهم موت يزيد فتفرقوا ، وبقي ابن الزبير بمكة إلى زمان الحجاج وقتله لابن الزبير رضي الله عن ابن الزبير .

والجلاء - بفتح الجيم والمد - الانتقال من موضع إلى آخر ، والجلاء - بكسر الجيم والمد - هو جلاء السيف والعروس ، والجلا - بفتح الجيم والقصر - هو جلاء الجبهة وهو انحسار الشعر عنها ، يقال : رجل أجلى وأجلح .

[ ص: 493 ] وقوله " إذا كان مسلما " يقيد ما تقدم من مطلقات هذه الألفاظ ، وينبه على القاعدة المقررة من أن الكافر لا تناله شفاعة شافع ، كما قال الله تعالى مخبرا عنهم : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم [الشعراء: 100- 101] .

وقوله في المدينة " وهي وبيئة " بالهمزة من الوباء ، وهو هنا شدة المرض والحمى ، وكانوا لما قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم ، فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حماها شدة ، حتى دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه ، كما ذكر في هذا الحديث وفي غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية