المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3275 (3) باب

النهي عن تمني لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

[ 1258 ] عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تمنوا لقاء العدو ، فإذا لقيتموهم فاصبروا" .

رواه أحمد ( 2 \ 523 ) والبخاري (3026)، ومسلم ( 1741).


[ ص: 523 ] (3) ومن باب: النهي عن تمني لقاء العدو

قوله : ( لا تتمنوا لقاء العدو ) ; قيل : إن فائدة هذا النهي ألا يستخف أمر العدو ، فيتساهل في الاستعداد له ، والتحرز منه ، وهذا لما فيه من المكاره ، والمحن ، والنكال ، ولذلك قال متصلا به : ( واسألوا الله العافية ) . وقيل : لما يخاف من إدالة العدو ، وظفره بالمسلمين . وقد ذكر في هذا الحديث : (فإنهم يظفرون كما تنصرون) . وقيل : لما يؤدي إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرا ، ويرجى للكافر فيها أن يراجع . وكل ذلك محتمل . والله تعالى أعلم .

ولا يقال : فلقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو ، وإما الشهادة ، فكيف ينهى عنه ؟ وقد حض الشرع على تمني الشهادة ، ورغب فيه ، فقال : (من سأل الله الشهادة صادقا من قلبه ، بلغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه) ؟! لأنا نقول : لقاء العدو وإن كان جهادا وطاعة ومحصلا لأحد الأمرين ، فلم ينه عن تمنيه من هذه الجهات ، وإنما نهي عنه من جهات تلك الاحتمالات [ ص: 524 ] المتقدمة ، ثم هو ابتلاء ، وامتحان لا يعرف عما تسفر عاقبته ، وقد لا تحصل فيه لا غنيمة ولا شهادة ، بل ضد ذلك . وتحريره : أن تمني لقاء العدو المنهي عنه غير تمني الشهادة المرغب فيه ; لأنه قد يحصل اللقاء ولا تحصل الشهادة ، ولا الغنيمة ، فانفصلا .

وقد فهم بعض العلماء من هذا الحديث كراهة المبارزة . وبها قال الحسن ، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : (يا بني ! لا تدع أحدا إلى المبارزة ، ومن دعاك إليها فاخرج إليه ، فإنه باغ ، وقد ضمن الله نصر من بغي عليه) . وقال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه على جواز المبارزة ، والدعوة إليها ، وشرط بعضهم فيها إذن الإمام ; وهو قول الثوري ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق . ولم يشترطه غيرهم . وهو قول مالك ، والشافعي . واختلفوا ، هل يعين المبارز غيره أم لا؟ على قولين .

وقوله : (إنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر حتى إذا مالت الشمس ) ; يعني : أنه كان يؤخر القتال عن الهاجرة إلى أن تميل الشمس ليبرد الوقت على المقاتلة ، ويخف عليهم حمل السلاح ، التي يؤلم حملها في شدة الهاجرة ; ولأن ذلك الوقت وقت الصلاة ، وهو مظنة إجابة الدعاء . وقيل : بل كان يفعل ذلك لانتظار هبوب ريح النصر التي نصر بها ، كما قال : (نصرت بالصبا) ، وفي حديث آخر ; أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينتظر حتى تزول الشمس ، وتهب رياح النصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية