المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
208 (48) باب

كيف بدأ الإسلام وكيف يعود ؟

[ 114 ] عن أبي هريرة ; قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء .

رواه مسلم ( 145 ) ، وابن ماجه ( 3986 ) .


[ ص: 362 ] (48) ومن باب كيف بدأ الإسلام وكيف يعود ؟

(قوله : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ") كذا روايته بهمز بدأ ، وفيه نظر ، وذلك أن بدأ مهموزا متعد إلى مفعول ; كقوله تعالى : كما بدأنا أول خلق نعيده [ الأنبياء : 104 ] قال صاحب الأفعال : يقال بدأ الله الخلق بدءا ، وأبدأهم : خلقهم ، وبدأ في الحديث لا يقتضي مفعولا ، فظهر الإشكال .

ويرتفع الإشكال بأن يحمل بدأ الذي في الحديث على طرأ فيكون لازما ، كما قد اتفق للعرب في كثير من الأفعال ، يتعدى حملا على صيغة ، ولا يتعدى حملا على أخرى ، كما قالوا : رجع زيد ورجعته ، وفغر فاه وفغر فوه ، وهو كثير . وقد سمعت من بعض أشياخي إنكار الهمزة ، وزعم أنه بدا بمعنى ظهر غير مهموز ، وهذا فيه بعد من جهة الرواية والمعنى . فأما الرواية بالهمز ، فصحيحة النقل عمن يعتمد على علمه وضبطه . وأما المعنى ، فبعيد عن مقصود الحديث ، فإن مقصوده أن الإسلام نشأ في أول أمره في آحاد من الناس وقلة ، ثم انتشر وظهر ، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه سيلحقه من الضعف والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاد وقلة كابتدائه . وأصل الغربة البعد ، كما قال :


فلا تحرميني نائلا عن جناية فإني امرؤ وسط العباب غريب

[ ص: 363 ] ويحتمل أن يراد بالحديث المهاجرون ; إذ هم الذين تغربوا عن أوطانهم فرارا بأديانهم ، فيكون معناه أن آخر الزمان تشتد فيه المحن على المسلمين ، فيفرون بأديانهم ويغتربون عن أوطانهم كما فعل المهاجرون . وقد ورد في الحديث : قيل : يا رسول الله ! من الغرباء ؟ قال : هم النزاع من القبائل ، إشارة إلى هذا المعنى ، والله أعلم . ولذلك قال الهروي : أراد بذلك المهاجرين . والنزاع جمع نزيع أو نازع ، وهو الذي نزع عن أهله وعشيرته وبعد عن ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية