المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3377 (32) باب

لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

[ 1325 ] عن يزيد بن هرمز: أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خمس خلال، فقال ابن عباس: لولا أن أكتم علما ما كتبت إليه، كتب إليه نجدة: أما بعد، فأخبرني هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم؟ وعن الخمس لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن يداوين الجرحى، ويحذين من الغنيمة، وأما بسهم، فلم يضرب لهن، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري، إن الرجل لتنبت لحيته، وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس ، فقد ذهب عنه اليتم، وكتبت تسألني عن الخمس: لمن هو؟ وإنا كنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذاك.

رواه مسلم (1812) (137)، وأبو داود (2727).


[ ص: 687 ] (32) ومن باب: لا يسهم للنساء من الغنيمة

( نجدة ) هذا هو ابن عامر الحروري ، نسب إلى حروراء ، وهي موضع بقرب الكوفة ، خرج منه الخوارج على علي رضي الله عنه ، وفيه قتلوا ، وكان نجدة هذا منهم وعلى رأيهم ; لذلك استثقل ابن عباس مجاوبته ، وكرهها ، لكن أجابه مخافة جهل يقع له ، فيفتي ، ويعمل به .

وقول ابن عباس رضي الله عنه : ( أن النساء كن يحذين من الغنيمة ، ولا يسهم لهن منها ) ; هذا مذهب جمهور العلماء : أن المرأة لا يضرب لها بسهم وإن قاتلت ، ما خلا الأوزاعي ; فإنه قال : إن قاتلت أسهم لها . وقد مال إليه ابن حبيب من أصحابنا . وهل يحذين ; أي : يعطين من الغنيمة بغير تقدير . فالجمهور على أنهن يرضخ لهن. وقال مالك : لا يرضخ لهن ، ولم يبلغني ذلك .

وكذلك الخلاف في العبد سواء ; غير أن القائل : بأنه يسهم له إن قاتل ; هو الحكم ، وابن سيرين ، والحسن ، وإبراهيم . وقد تقدم : أن اليتيم في بني آدم من قبل فقد الأب ، وفي البهائم من قبل فقد الأم .

وقوله : ( متى ينقضي يتم اليتيم ؟ ) أي : متى ينقضي حكم اليتم عنهم ، فيسلم لهم مالهم ; هذا مما اختلف فيه . فمقتضى كلام ابن عباس هذا ، ومذهب [ ص: 688 ] مالك ، وأصحابه ، وكافة العلماء : أن مجرد البلوغ لا يخرجه عن اليتم ، بل حتى يؤنس رشده ، وسداد تصرفه. وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة ، دفع إليه ماله وإن كان غير ضابط له .

وهل من شرط رفع الحجر عنه العدالة ، أو يكفي ذلك حسن الحال ، وضبط المال ؟ الأول للشافعي ، والثاني للجمهور . وهو مشهور مذهب مالك . ثم إذا كان عليه مقدم ، فهل بنفس صلاح حاله يخرج من الولاية ، أو لا يخرج منها إلا بإطلاق حاكم أو وصي؟ في كل واحد منهما قولان عن مالك والشافعي ، غير أن المشهور من مذهب مالك : أنه لا يخرج منها إلا بإطلاق من حاكم أو وصي . وكافة السلف ، وأهل المدينة ، وأئمة الفتوى على أن الكبير السفيه يحجر عليه الحاكم ، وشذ أبو حنيفة فقال : لا يحجر عليه . وقد حكى ابن القصار في المسألة الإجماع ، ويعني به : إجماع أهل المدينة . والله تعالى أعلم .

وقوله : كتبت تسألني عن الخمس ، لمن هو ؟ وإنا كنا نقول : هو لنا ، فأبى علينا قومنا ) ; هذا الخمس المسؤول عنه هو خمس الخمس ، لا خمس الغنيمة ، [ ص: 689 ] ولا يقول ابن عباس ، ولا غيره : إن خمس الغنيمة يصرف في القرابة ، وإنما يصرف إليهم خمس الخمس على قول من يقسم خمس الغنيمة على خمسة أخماس ; على ما تقدم من مذهب الشافعي ، وهو الذي أشار إليه ابن عباس ، وهو مذهب أحمد بن حنبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية