المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3473 (36) باب

السن الذي يجاز في القتال

[ 1333 ] عن ابن عمر، قال: عرضني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق ، وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني . قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز ، وهو يومئذ خليفة، فحدثته بهذا الحديث فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال.

وفي رواية: وأنا ابن أربع عشرة سنة ، فاستصغرني .


رواه أحمد ( 2 \ 17 ) والبخاري (2664)، ومسلم (1868) في الإمارة، وأبو داود (4406)، والترمذي (1711)، والنسائي ( 6 \ 155 - 156)، وابن ماجه (2543).


(36) ومن باب: السن الذي يجاز في القتال

قول ابن عمر : (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يجزه يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة سنة ، وأجازه في الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة) ; ظاهر كلام ابن عمر هذا : أنه كان بين غزوة أحد وغزوة الأحزاب سنة ، وليس كذلك ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- خرج إلى أحد في شوال سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت غزوة الخندق - وهي غزوة الأحزاب - في شوال من السنة الخامسة ، فكان بينهما سنتان ، ولذلك قال بعض العلماء : إن [ ص: 697 ] ذكر الأحزاب هنا وهم ، وإنما كانت غزوة ذات الرقاع ، فإنها كانت في الرابعة من الهجرة ، كما قدمناه آنفا .

قلت : ويمكن أن يقال : لا وهم في ذلك ; لإمكان أن يكون ابن عمر في غزوة أحد دخل في أول سنة أربع عشرة من حين مولده ، وذلك في شوال في غزوة أحد ، ثم كملت له سنة أربع عشرة في شوال من السنة الآتية ، ثم دخل في الخامس عشر إلى شوالها الذي كانت فيه غزوة الأحزاب ، فأراد : أنه كان في غزوة أحد في أول الرابعة ، وفي غزوة الأحزاب في آخر الخامسة . والله تعالى أعلم .

وقد تمسكت طائفة من العلماء بهذا الحديث : على أن خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم ولا حاضت ، وهو قول الشافعي ، والأوزاعي ، وابن حنبل ، وابن وهب من أصحابنا . وأبى ذلك مالك ، وأبو حنيفة ، وغيرهما من الحجازيين ، والمدنيين ، والكوفيين . قال مالك : لا يحكم لمن لم يحتلم بحكم البلوغ حتى يبلغ ما لا يبلغه أحد إلا احتلم ، وذلك : سبع عشرة . ورأوا : أن حديث ابن عمر إنما موجبه الفرق بين من يطيق القتال ، ويسهم له ، وهو ابن خمس عشرة سنة ، ومن لا يطيقه ، فلا يقسم له ، فيجعل في العيال . وهذا هو الذي فهم عمر بن عبد العزيز من الحديث .

ولم يختلف في : أن الحلم والحيض بلوغ ، واختلفوا في الإنبات البين. فمنهم من قال : يستدل به على البلوغ ، وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وروي عن القاسم ، وسالم . وقاله مالك مرة . وقال الزهري وعطاء : لا حد على من لم يحتلم . وهو قول الشافعي ، ولم يراع الإنبات ، ومال إليه مالك مرة ، وقال به بعض أصحابه .

[ ص: 698 ] وعلى الاختلاف في هذا الأصل اختلفوا في إنكاح اليتيمة لمجرد الإنبات . وروي عن الشافعي : أن الإنبات يحكم به في الكفار ، فيقتل من أنبت ، ويجعل من لم ينبت في الذراري والعيال ، ولا يقتل ، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في بني قريظة ، وكما يروى منه مرفوعا : (اقتلوا من جرت عليه المواسي) .

التالي السابق


الخدمات العلمية