المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3520 (46) باب

بعث العيون في الغزو وما جاء : أن الجنة تحت ظلال السيوف

[ 1367 ] عن أنس بن مالك قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسيسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري، وغير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: لا أدري هل استثنى بعض نسائه. قال: فحدثه الحديث، قال: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتكلم فقال: إن لنا طلبة، فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا". فجعل رجال يستأذنونه في ظهرانهم أنهم في علو المدينة ، فقال: لا، إلا من كان ظهره حاضرا". فانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا أؤذنه". فدنا المشركون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض. قال: يقول عمير بن حمام الأنصاري: يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: "نعم". قال: بخ بخ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما يحملك على قول بخ بخ؟. قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: "فإنك من أهلها" .......... فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه، إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل .

رواه مسلم (1901).


(46) ومن باب: العيون في الغزو

( بسيسة ) - بضم الباء بواحدة ، وفتح السين ، وياء التصغير- ; هكذا رواه جميع رواة الحديث ، وكذا وقع في كتاب مسلم وأبي داود . والمعلوم في كتاب السير : (بسبس) بفتح الباء غير مصغر- ; وهو : بسبس بن عمرو . ويقال : ابن بشر من الأنصار ، وقيل : حليفهم . وأنشد ابن إسحاق في خبره :


أقم لها صدورها يا بسبس أن ترد الماء بماء أكيس

[ ص: 735 ] و ( العين ) هنا : الجاسوس ; سمي بذلك لأنه يعاين فيخبر مرسله بما يراه ، فكأنه عينه . و ( العير ) : الإبل التي عليها الأثقال .

و ( ظهرانهم ) - بضم الظاء- : جمع ظهر ، وقيل : جمع ظهير ، كقضيب وقضبان ، وكثيب وكثبان . وهو البعير الذي ركب ظهره .

و ( بخ بخ ) : كلمة تقال لتفخيم الأمر ، وتعظيمه ، والتعجب منه . يقال بسكون الخاء ، وكسرها منونة.

وقوله : ( قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ) ; أي : كعرض السماء والأرض . شبه الجنة بسعة السماوات والأرض ، وإن كانت الجنة أوسع ، مخاطبة لنا بما شاهدنا ; إذ لم نشاهد أوسع من السماوات والأرض. وهذا أشبه ما قيل في هذا المعنى.

وقوله : ( لا والله إلا رجاء ) ; رويته بنصب الهمزة من غير تاء تأنيث على أن يكون مفعولا من أجله . والأولى فيه الرفع ، على أن يكون فاعلا بفعل مضمر ، يدل عليه قوله : ( ما يحملك على قولك : بخ بخ ؟ ) لأنه جوابه ; أي : لا يحملني على قولي : بخ بخ إلا رجاء أن أكون من أهل الجنة . وقد رواه كثير من المشايخ : (إلا رجاة) -بتاء التأنيث- وهو مصدر الرجاء ، لكنه محدود . قال المبرد : تقول العرب : فعلته رجاتك ; أي : رجاك ; من الرجا ، وهو الطمع في تحصيل ما فيه عرض ونفع .

[ ص: 736 ] وقوله : ( فأخرج تمرات من قرنه ) - بفتح القاف والراء- ، وهي جعبة السهام . وهكذا روايتنا فيه ، وأما من رواه بضم القاف ، وسكون الراء ، وكسر الباء قربه ، و (قرقره) فتغيير ، وإن كانت لهما أوجه بعيدة.

التالي السابق


الخدمات العلمية