المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3524 (48) باب

الإخلاص وحسن النية في الجهاد

[ 1371 ] عن أبي موسى الأشعري: أن رجلا أعرابيا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " من قاتل لتكون كلمة الله هي أعلى، فهو في سبيل الله".

وفي رواية: الرجل يقاتل غضبا، ويقاتل حمية؟ قال: فرفع رأسه إليه، وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائما فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" .


رواه أحمد ( 4 \ 392 )، والبخاري (123)، ومسلم (1904) (149 و 151)، وأبو داود (2517)، والترمذي (1646)، والنسائي ( 6 \ 23 )، وابن ماجه (2783).


(48) ومن باب: الإخلاص وحسن النية في الجهاد

قوله -صلى الله عليه وسلم- : ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ; فهو في سبيل الله ) ; يعني بـ ( كلمة الله ) : دين الإسلام . وأصله : أن الإسلام ظهر بكلام الله تعالى ; الذي أظهره على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم- .

ويفهم من هذا الحديث : اشتراط الإخلاص في الجهاد ، وكذلك هو شرط في جميع العبادات ; لقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين [البينة: 5] والإخلاص : مصدر من : أخلصت العسل وغيره : إذا صفيته ، وأفردته من شوائب كدره ; أي : خلصته منها . فالمخلص في عباداته هو الذي يخلصها من شوائب الشرك والرياء . وذلك لا يتأتى له إلا بأن يكون الباعث له على عملها قصد التقرب إلى الله تعالى ، وابتغاء ما عنده . فأما إذا كان الباعث عليها غير ذلك من أعراض الدنيا ; فلا يكون عبادة ، بل يكون مصيبة موبقة لصاحبها ، فإما كفر ، وهو : الشرك الأكبر ، وإما رياء ، وهو : الشرك الأصغر . ومصير صاحبه إلى النار ، كما جاء في حديث أبي هريرة في الثلاثة المذكورين فيه . هذا إذا كان الباعث على تلك [ ص: 743 ] العبادة الغرض الدنيوي وحده ، بحيث لو فقد ذلك الغرض لترك العمل . فأما لو انبعث لتلك الحالة لمجموع الباعثين- باعث الدنيا وباعث الدين- ; فإن كان باعث الدنيا أقوى ، أو مساويا ألحق القسم الأول في الحكم بإبطال ذلك عند أئمة هذا الشأن ، وعليه يدل قوله -صلى الله عليه وسلم- حكاية عن الله تبارك وتعالى : (من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشريكه) . فأما لو كان باعث الدين أقوى ; فقد حكم المحاسبي رحمه الله بإبطال ذلك العمل ; متمسكا بالحديث المتقدم ، وبما في معناه ، وخالفه في ذلك الجمهور ، وقالوا بصحة ذلك العمل ، وهو الأقدم في فروع مالك . ويستدل على هذا بقوله -صلى الله عليه وسلم- : (إن من خير معايش الناس رجلا ممسكا فرسه في سبيل الله) ، فجعل الجهاد مما يصح أن يتخذ للمعاش ، ومن ضرورة ذلك أن يكون مقصودا ، لكن لما كان باعث الدين على الجهاد هو الأقوى والأغلب ، كان ذلك الغرض ملغى ، فيكون معفوا عنه ; كما إذا توضأ قاصدا رفع الحدث والتبرد ، فأما لو تفرد باعث الدين بالعمل ، ثم عرض باعث الدنيا في أثناء العمل فأولى بالصحة . وللكلام في هذا موضع آخر ، وما ذكرناه كاف هنا .

[ ص: 744 ] وقوله : ( فرفع رأسه إليه ، وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائما ) ; فيه دليل على جواز سؤال القائم السائل للعالم وهو قاعد ; إذا دعت إلى ذلك حاجة ، أو عذر ، وإلا فالأولى للسائل الجلوس ، والتثبت ; كما في حديث جبريل ، حيث سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- .

التالي السابق


الخدمات العلمية