المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3527 (49) باب

إثم من لم يخلص في الجهاد وأعمال البر

[ 1374 ] عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة ، رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه ، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ، حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه ، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .

رواه أحمد (2 \ 322)، ومسلم (1905)، والنسائي ( 6 \ 23 ).


(49) ومن باب: إثم من لم يخلص في الجهاد وأعمال البر

قد تقدم : أن الإخلاص في الطاعات واجب ، وأن الرياء يفسدها.

وقوله : ( إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد ، ورجل تعلم العلم ، ورجل أنفق ماله ) ; هذا يخالفه: (أول ما يحاسب به العبد المسلم من عمله صلاته) ، الحديث ، وقوله : (أول ما يقضى فيه بين الناس في الدماء) . قد يسبق إلى الوهم أن هذه الأحاديث متعارضة من حيث الأولية [ ص: 747 ] المذكورة في كل حديث منها ; وليس كذلك ; فإنه إنما كان يلزم ذلك لو أريد بكل أول منها أنه أول بالنسبة إلى كل ما يسأل عنه ، ويقضى فيه ، وليس في شيء من تلك الأحاديث ما ينص على ذلك ، وإنما أراد- والله أعلم- : أن كل واحد من تلك الأوليات أول بالنسبة إلى التي في بابه ، فأول ما يحاسب به من أركان الإسلام الصلاة ، وأول ما يحاسب به من المظالم الدماء ، وأول ما يحاسب به مما ينتشر فيه صيت فاعله تلك الأمور . وهذا أول ما يقاربه ويناسبه ، وهكذا تعتبر ما يرد عليك من هذا الباب ، والله تعالى أعلم .

و ( الجريء ) بالهمز . هو : المقدام على الشيء ، لا ينثني عنه ، وإن كان هائلا ، مأخوذ من الجرأة .

و ( سحب على وجهه ) ; أي : جر . و ( الجواد ) : الكريم ، وهو الكثير العطاء . والجود : الكرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية