المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3392 [ 1397 ] وعن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان.

رواه مسلم (1820)، وعبد الله هو
ابن عمر.
وقوله: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان "، هذا خبر عن المشروعية؛ أي: لا تنعقد الإمامة الكبرى إلا لهم متى وجد منهم واحد، وفي [ ص: 7 ] حديث آخر " الأئمة من قريش "، وقد استدل بهذا اللفظ وما في معناه من قوله " قدموا قريشا ولا تتقدموها " كبراء أصحاب الشافعي - رحمه الله - على ترجيح مذهب الشافعي على غيره، من حيث إنه قرشي، ولا حجة فيه؛ لأنه لا يصح الاحتجاج به إلا حتى تحمل الإمامة فيه على العموم في كل شيء يحتاج إلى الاقتداء فيه، من الإمامة الكبرى، وإمامة الفتوى، والقضاء، والصلاة، وغير ذلك من الولايات. ولا يصح ذلك للإجماع على خلافه؛ إذ قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصح لغير قريش ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قطعا. وقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم غير قريش على قريش؛ فإنه قدم زيد بن حارثة وولده أسامة ومعاذ بن جبل ، وقدم سالما مولى أبي حذيفة على الصلاة بقباء ، فكان يؤمهم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش ، ثم إن الشافعي - رحمه الله تعالى - أول من ترك عموم تلك الأخبار، فإنه قد اقتدى بمالك واستفتاه، ومالك ليس بقرشي، وإنما هو أصبحي صريحا. وأيضا: فإنه لم يرو عنه أنه منع من تقليد من ليس بقرشي - فدل هذا كله على أن المستدل بذلك الحديث على تقديم مذهب الشافعي صحبته غفلة قارنها من تصميم التقليد طيشة، وربما رووا ألفاظا رفعوها؛ كقوله: " تعلموا من قريش ولا تعلموها "، وذلك لا يصح نقلا ولا معنى لما تقدم، والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية