المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3416 (7) باب

قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم [النساء: 59].

[ 1413 ] عن ابن عباس قال: نزل: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي؛ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية.

رواه البخاري (4584)، ومسلم (1834)، وأبو داود (2624)، والترمذي (1672)، والنسائي ( 7 \ 154 - 155).
[ ص: 34 ] (7) ومن باب قوله تعالى:

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم

قول ابن عباس " بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية " كلام غير تام، وتتمته أن عبد الله بن حذافة أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأنف، على عادة العرب أنهم كانوا يأنفون من الطاعة، قال الشافعي : كانت العرب تأنف من الطاعة للأمراء، فلما أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الأمراء. وقال أبو العالية : نزلت الآية بسبب عمار بن ياسر ؛ خرج في سرية أميرهم خالد بن الوليد ، فأجار عمار رجلا فأبى خالد أن يجيز أمانه، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار ونهى أن يجار على الأمير.

قلت: وقول ابن عباس أشهر وأصح وأنسب، وعلى هذا فأولو الأمر في الآية هم الأمراء، وهو أظهر من قول من قال: هم العلماء - قاله الحسن [ ص: 35 ] ومالك ، وله وجه؛ وهو أن الأمراء شرطهم أن يكونوا آمرين بما يقتضيه العلم، وكذلك كان أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ تجب طاعتهم، فلو أمروا بما لا يقتضيه العلم حرمت طاعتهم، فإذا: الحكم للعلماء والأمر لهم بالأصالة، غير أنهم لهم الفتيا من غير جبر، وللأمير الفتيا والجبر.

وهذان القولان أشبه ما قيل في هذه الآية.

وقوله: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [النساء: 59]. الآية، " تنازعتم " اختلفتم، وأصله التجاذب والتعاطي، ومنه سمي المستقيان متنازعين؛ لأنهما يتجاذبان الدلو بالحبل، ولا شك أن المواجه بهذا الخطاب الصحابة.

وعلى هذا فالمراد بقوله: فردوه إلى الله والرسول ؛ أي: انتظروا أن ينزل الله فيه قرآنا أو يبين فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة.

وقيل: المراد الصحابة وغيرهم. والمعنى: أن المرجع عند التنازع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - قاله قتادة .

وقوله: " ذلك خير "؛ أي الرد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم خير من الرد إلى التحكم بالهوى، و " خير " للمفاضلة التي على منهاج قولهم: العسل أحلى من الخل. ومنه قوله تعالى: أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [الفرقان: 24]. و " خير " هنا بمعنى الواجب؛ أي: ذلك الواجب عليكم. و " تأويلا " أي: مآلا ومرجعا - قاله قتادة وغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية