المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
237 (55) باب

في شق صدر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثانية ، وتطهير قلبه ، وحشوه حكمة وإيمانا عند الإسراء

[ 129 ] عن أبي ذر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فرج سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ، ففرج صدري ، ثم غسله من ماء زمزم ، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا ، قال : فأفرغها في صدري ، ثم أطبقه ، ثم أخذ بيدي ، فعرج بي إلى السماء . . وذكر الحديث .

رواه أحمد ( 5 \ 122 ) ، والبخاري ( 1636 ) ، ومسلم ( 163 ) .


[ ص: 384 ] (55) ومن باب الإسراء

" الإسراء " سير الليل ، يقال : سريت مسرى وسرى وأسريت إسراء ، بمعنى واحد ، وبالألف لغة أهل الحجاز وقد جاء في القرآن ، وقال حسان :


حي النضيرة ربة الخدر أسرت إليك ولم تكن تسري

وقيل : أسرى : سار من أول الليل ، وسرى : سار من آخره ، والقول الأول أعرف . ويقال سرينا سرية واحدة ، والاسم السرية بالضم والسرى . ويقال : أسراه وأسرى به ، مثل : أخذ الخطام وأخذ بالخطام .

واختلف في كيفية هذا الإسراء وفي زمانه ، فقيل : كان كله مناما ، وقيل : كان كله يقظة ، وقيل : كان إلى المسجد الأقصى يقظة ، وإلى ما بعد ذلك مناما . وكل تلك الأقسام جائز ، ولكن الذي عليه معظم السلف والخلف أنه أسري بجسده ، وحقيقته في اليقظة إلى آخر ما انطوى عليه الإسراء ، وعليه يدل ظاهر الكتاب وصحيح الأخبار ، ومبادرة [ ص: 385 ] قريش لإنكار ذلك وتكذيبه . ولو كان مناما لما أنكروه ولما افتتن به من افتتن ; إذ كثيرا ما يرى في المنام أمور عجيبة وأحوال هائلة ، فلا يستبعد ذلك في النوم ، وإنما يستبعد في اليقظة .

ولا يعارض ما ذكرناه إلا ظاهر قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [ الإسراء : 60 ] وألفاظ وقعت في بعض طرق أحاديث الإسراء ، كقوله - عليه الصلاة والسلام - : " بينا أنا نائم " ، وقوله : " فاستيقظت " ونحو ذلك مما وقع في كتاب مسلم وغيره . وقد انفصل عن الآية بوجهين :

أحدهما : أن هذه قضية أخرى غير الإسراء على ما ذكره عكرمة ، قال : هي رؤيا دخول المسجد الحرام ، والفتنة : الصد بالحديبية .

الثاني : أن الرؤيا بمعنى الرؤية والمعاينة ، قاله ابن عباس في جماعة ، والفتنة ارتداد من أنكر ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية