المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
15 [ ص: 166 ] (3) باب

من اقتصر على فعل ما وجب عليه وانتهى عما حرم عليه دخل الجنة

[ 11 ] عن أبي أيوب ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : دلني على عمل أعمله يدنيني من الجنة ، ويباعدني من النار ، قال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصل ذا رحمك ، فلما أدبر ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن تمسك بما أمر به ، دخل الجنة .

رواه البخاري ( 1396 ) ، ومسلم ( 13 ) ، والنسائي ( 1 \ 34 ) .


(3) ومن باب من اقتصر على فعل ما وجب عليه ، وانتهى عما حرم عليه دخل الجنة

هذه الترجمة يشهد بصحتها الحديثان المذكوران تحتها ; فأما حديث أبي أيوب ، فمن حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دل السائل على فعل ما وجب عليه ، وقال : إن تمسك بما أمر به دخل الجنة .

وأما حديث جابر فمن حيث إن السائل إنما سأله عن دخول - من فعل ما يجب عليه ، وانتهى عما حرم عليه - الجنة ، فأجابه بـ " نعم " ، ولم يذكر لهما في هذين الحديثين شيئا من فعل التطوعات ; فدل على صحة ما ذكرناه ، وعلى جواز ترك التطوعات على الجملة ، لكن من تركها ولم يعمل شيئا منها ، فقد فوت على نفسه ربحا عظيما ، وثوابا جسيما ، ومن داوم على ترك شيء من السنن ، كان ذلك نقصا في دينه ، وقدحا في عدالته ، فإن كان تركه تهاونا به ورغبة عنها ، كان ذلك فسقا يستحق به ذما .

وقال علماؤنا : لو أن أهل بلدة تواصلوا على ترك سنة ، لقوتلوا عليها حتى يرجعوا ، ولقد كان صدر الصحابة ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض ، ولم يكونوا يفرقون بينهما في اغتنام ثوابهما ; وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق بينهما ; لما يترتب عليه من وجوب الإعادة وتركها ، وخوف العقاب على الترك ، ونفيه إن حصل ترك ما بوجه ما .

وإنما سكت النبي - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء السائلين عن [ ص: 167 ] ذكر التطوعات ، ولم يذكرها لهم كما ذكرها في حديث طلحة بن عبيد الله ; لأن هؤلاء - والله أعلم - كانوا حديثي عهد بإسلام ; فاكتفى منهم بفعل ما وجب عليهم في تلك الحال ; لئلا يثقل ذلك عليهم فيملوا ، أو لئلا يعتقدوا أن تلك السنن والتطوعات واجبة ، فتركهم إلى أن تنشرح صدورهم بالفهم عنه ، والحرص على تحصيل ثواب تلك المندوبات ; فتسهل عليهم . ومن المعلوم أن هؤلاء ما سوغ لهم ترك الوتر ولا صلاة العيدين ، ولا غير ذلك ، مما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في جماعة المسلمين ، ولا يجترئون على ترك ذلك ; للذي يعلم من حرصهم على الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى تحصيل الثواب ، والله تعالى أعلم .

و (قوله : " وتصل ذا رحمك ") يعني : قرابتك ; وعلى هذا ; فتكون القرابة جنسا مضافا إلى ذي ; فإن حكمها أن تضاف إلى الأجناس . وهذا أولى من قول من قال : إن الرحم هنا اسم عين ، وإنها هنا بمنزلة قولهم : ذو نواس ، وذو يزن ، وذو عين ; لأن هذه أسماء أعلام لا أسماء أجناس ، و ذو بمعنى صاحب ، وهي من الأسماء الستة التي اعتلت بحذف لاماتها في الإفراد ، ورفعها بالواو ، ونصبها بالألف ، وخفضها بالياء ، وقد ذكر النحويون أوزانها وأحكامها .

التالي السابق


الخدمات العلمية