المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2546 [ 1472 ] وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها.

وفي رواية: والبكر يستأذنها أبوها.

رواه مسلم (1421)، وأبو داود (2098)، والترمذي (1108)، والنسائي ( 6 \ 84 ).
و (قوله في الرواية الأخرى: " والبكر يستأذنها أبوها ") هذه الزيادة من رواية ابن أبي عمر . قال أبو داود : وليست بمحفوظة. وعلى تقدير صحة هذه الزيادة، فمحملها على الاستحباب، لا على الإيجاب؛ بدليل الإجماع المنعقد على أن للأب إنكاح ابنته الصغيرة وإجبارها عليه بغير إذنها . وكذلك السيد في أمته. وقد أبدى بعض أصحابنا لاستئذان الأب لابنته البكر فائدة، وهي: تطييب قلبها، واستعلام حالها، فقد تكون موصوفة بما يخفى على الأب مما يمنع النكاح، فإذا استأذنها أعلمته.

وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة من طريق صحيحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ) وفي رواية: (فإن بكت أو سكتت). قال: وليس ذلك بمحفوظ.

[ ص: 119 ] قلت: وتفسير حديث أبي داود مقيد لمطلق البكر الذي جاء في حديث مسلم وغيره، ومبين أن استئذان الأب البكر ليس بواجب، وإنما يجب ذلك في اليتيمة باتفاق.

ثم اختلف القائلون باشتراط الولي، هل يكتفى في صحة العقد بوجود ولي، أي ولي كان، من غير مراعاة لولاية خاصة ولا عامة، أو لا بد من مراعاة الخاصة على مراتبها، فإن فقدت رجع للعامة؟ قولان:

وللأول ذهب أبو ثور ، وقال: كل من وقع عليه اسم ولي فله أن ينكح. وقاله بعض علمائنا. وحكاه ابن المنذر عن مالك . والجمهور على القول الثاني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثم قال بعد ذلك: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له). فاقتضى: أن ولاية القرابة مقدمة على ولاية السلطان. وإذا كان كذلك كان أحرى أن تكون مقدمة على ولاية الدين، وهو واضح. ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان).

ثم اختلف المرتبون فيما إذا أنكح الأبعد مع وجود الأقعد في الولاية الخاصة فيمن يستأذن؟ على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه يفسخ على كل حال. وبه قال المغيرة .

وثانيها: أن الأقعد مخير في فسخه أو إجازته. وعليه جماعة من أصحابنا. ومأخذ خلافهما: أن الفسخ لحق الله، فلا بد منه، أو لحق الولي فله إجازته وفسخه.

[ ص: 120 ] وثالثها: أنه ماض، ولا مقال للولي الخاص. وهو قول مالك . وهو بناء على أن مراعاة المراتب من باب الأولى، والأحسن، والله تعالى أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية