المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2611 (18) باب

تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

[ 1502 ] عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى بامرأة مجح على باب فسطاط فقال: لعله يريد أن يلم بها؟ فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره، كيف يورثه وهو لا يحل له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحل له؟ ".

رواه أحمد ( 6 \ 446 )، ومسلم (1441).
[ ص: 171 ] (18) ومن باب تحريم وطء الحامل المسبية (قوله: أنه صلى الله عليه وسلم أتى بامرأة، مجح ) روايتنا فيه: ( أتى ) - بفتح الهمزة والتاء -، على أنه فعل ماض؛ بمعنى: جاز، ومر. و ( مجح ) - بضم الميم، وكسر الجيم، وتشديد الحاء المهملة -، وهي: المرأة التي قربت ولادتها. و ( الفسطاط ): خباء صغير. وفيه لغتان: فسطاط وفسطاط.

و (قوله: لعله يريد أن يلم بها ؟) كناية عن إصابتها. وأصل الإلمام: النزول، كما قال:


متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد خير نار عندها خير موقد



و (قوله: لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره ) هذا وعيد شديد على وطء الحبالى حتى يضعن. وهو دليل على تحريم ذلك مطلقا، سواء كان الحمل من وطء صحيح، أو فاسد، أو زنا. فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن سبب الحمل، ولا ذكر أنه يختلف حكمه. وهذا موضع لا يصح فيه تأخير البيان. وإلى الأخذ بظاهر هذا ذهب جماهير العلماء، غير أن القاضي عياضا قال في المرأة تزني [ ص: 172 ] فتحمل، ويتبين حملها : أن أشهب أجاز لزوجها وطأها. قال: وكرهه مالك وغيره من أصحابه. قال: فاتفقوا على كراهته، ومنعه من وطئها في ماء الزنا ما لم يتبين الحمل. وهذا الذي حكاه عن أشهب يرده هذا الحديث. ومعناه على ما يأتي. وكراهة مالك لذلك بمعنى: التحريم، والله تعالى أعلم. وإنما لم يوقع النبي صلى الله عليه وسلم ما هم به من اللعن؛ لأنه ما كان بعد تقدم في ذلك بشيء. وأما بعد أن تقدم هذا الوعيد وما في معناه: ففاعل ذلك متعرض للعن يدخل معه قبره، ويدخله جهنم.

و (قوله: كيف يورثه وهو لا يحل له؟ ! كيف يستخدمه وهو لا يحل له ؟ !) هذا تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على أن واطئ الحامل له مشاركة في الولد. وبيانه: أن ماء الوطء ينمي الولد، ويزيد في أجزائه، وينعمه، فتحصل مشاركة هذا الواطئ للأب؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسق ماءه زرع غيره). فإذا وطئ الأمة الحامل لم يصح أن يحكم لولدها بأنه ابن لهذا الواطئ؛ لأنه من ماء غيره نشأ. وعلى هذا فلا يحل له أن يرثه، ولا يصح أيضا أن يحكم لذلك الولد بأنه عبد للواطئ؛ لما حصل في الولد من أجزاء مائه، فلا يحل له أن يستخدمه استخدام العبيد؛ إذ ليس له بعبد، لما خالطه من أجزاء الحر.

وفيه من الفقه: ما يتبين به استحالة اجتماع أحكام الحرية، والرق في شخص واحد ، وأن من فيه شائبة بنوة لا يملك، وأن من فيه شائبة رق لا يكون حكمه حكم الحر، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وفيه: أن السباء يهدم النكاح ، وهو مشهور مذهبنا، سواء سبيا مجتمعين أو مفترقين، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

[ ص: 173 ] وقد ذكر أبو داود في المنع من وطء الحامل حديثا نصا، هو أصل في هذا الباب؛ من حديث أبي الوداك: جبر بن نوف ، عن أبي سعيد الخدري ، رفعه، قال في سبايا أوطاس: (لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ). تفرد أبو الوداك بقوله: (حتى تحيض حيضة). وأبو الوداك وثقه ابن معين . وقد خرج عنه مسلم في "صحيحه ".

التالي السابق


الخدمات العلمية