المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
238 [ 130 \ م ] ومن حديث مالك بن صعصعة : قال : فلما جاوزته - يعني : موسى - بكى ، فنودي : ما يبكيك ؟ قال : رب ! هذا غلام بعثته بعدي ، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي . وفيه : وحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، فقلت : يا جبريل ! ما هذه الأنهار ؟ ، فقال : أما النهران الباطنان : فنهران في الجنة ، وأما الظاهران : فالنيل والفرات .

سبق تخريجه برقم ( 130 ) .


[ ص: 392 ] و ( قوله : " حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام " ) ظهرت : علوت ، والمستوى : موضع مشرف يستوى عليه ، وقد يكون المستوى يراد به هنا حيث يظهر عدل الله وحكمه لعباده هناك ، والسواء والاستواء العدل . وصريف الأقلام : تصويتها فيما يكتب بها فيه ، ومن ذلك صريف الفحل بأنيابه ، وهو صوت حك بعضها ببعض ، وهذا المكتوب فيه هو اللوح المحفوظ ، والله أعلم .

ولعل الأقلام المصوتة هنا هي المعبر عنها بالقلم المقسم به في قوله تعالى : ن والقلم [ القلم : 1 ] ويكون القلم هنا للجنس . وكيفية الأقلام واللوح لا يعلمها إلا الله تعالى أو من أعلمه بذلك . وأما تخصيص موسى بأمره للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعة الله تعالى في الحط من الصلوات ، فلعله إنما كان لأن أمة موسى كانت [ ص: 393 ] قد كلفت من الصلوات ما لم يكلف غيرها من الأمم ، فثقلت عليهم ، فخاف موسى - عليه السلام - على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك . وعلى هذا يدل قوله : " فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك " ، والله أعلم . وقيل : لأن موسى كان في السماء السابعة ، فكان أول من لقي من الأنبياء ، وليس بصحيح ، فإن هذا الحديث نص في أن موسى - عليه السلام - كان في السادسة وإبراهيم في السابعة ، فكان يكون إبراهيم أولى بذلك . والأشبه الأول ، والله أعلم .

وهذا الحديث نص في وقوع النسخ قبل التمكن من الامتثال ، وهو رد على من خالف في ذلك ، وهم المعتزلة .

و ( قوله : ما يبدل القول لدي [ ق : 29 ] ) دليل على استقرار هذا العدد ، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ، وهو رد على أبي حنيفة في حكمه بوجوب صلاة سادسة وهي الوتر ، سيما وقد جعلت هذه الخمس بمنزلة الخمسين ، فلو استقرت في علم الله ستا ، لبدئ فرضها ستين ، ثم نقص على ست ; إذ كل صلاة بعشر .

و ( قوله : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ") قال ابن الأعرابي : الجنبذة : القبة ، وجمعها جنابذ . وقال ثابت عن يعقوب : هو ما ارتفع من البناء . ووقع في كتاب البخاري في كتاب الصلاة حبائل اللؤلؤ ، وهو تصحيف ، والصحيح الأول على ما قاله جماعة من العلماء .

[ ص: 394 ] وأبو حبة الأنصاري صحح اسمه بالباء بواحدة من أسفل ، وقد رواه الفارسي عن المروزي باثنتين ، وليس بشيء . واسمه مالك بن عمرو البدري ، وقال الغساني : اسمه عامر ، وقيل : زيد ، وهو يشتبه بحية بالياء ، وهو حيي بن حية الثقفي .

وبكاء موسى - عليه السلام - إشفاق وحزن على أمته ; لما تقدم من ضلالهم ولأجل ما فاته من كثرة ثواب من عساه أن يؤمن من أمته به لو آمن .

وفي حديث أنس ما يقتضي أن السدرة في السماء السابعة أو فوقها ; لقوله : " ثم ذهب بي إلى السدرة " بعد أن استفتح السماء السابعة ، ففتح له فدخل ، وفي حديث عبد الله أنها في السماء السادسة . وهذا تعارض لا شك فيه ، وما في حديث أنس أصح ، وهو قول الأكثر ، والذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل على ما قاله كعب ، وقال : وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله ، وكذلك قال الخليل بن أحمد .

وقيل : إليها تنتهي أرواح الشهداء . وقال ابن عباس : هي عن يمين العرش ، وأيضا فإن حديث أنس مرفوع وحديث عبد الله موقوف عليه من قوله ، والمسند المرفوع أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية