المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2656 (29) باب

في القسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

[ 1525 ] عن أنس قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى في تسع، فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب فمد يده إليها فقالت: هذه زينب فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى استخبتا وأقيمت الصلاة. فمر أبو بكر على ذلك، فسمع أصواتهما فقال: اخرج يا رسول الله إلى الصلاة، واحث في أفواههن التراب، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: الآن يقضي النبي صلى الله عليه وسلم صلاته فيجيء أبو بكر فيفعل بي ويفعل، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أتاها أبو بكر، فقال لها قولا شديدا، وقال: أتصنعين هكذا؟.

رواه مسلم (1462).
(29) ومن باب: القسم بين الزوجات

قد تقدم القول آنفا في حكم وجوب القسم بين الزوجات. فأما كيفية القسم : فلا خلاف في أن عليه أن يفرد كل واحدة بليلتها، وكذلك قول عامة العلماء في النهار. وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار، ولا يدخل لإحداهما في يوم الأخرى وليلتها ولغير حاجة.

واختلف في دخوله لحاجة وضرورة . فالأكثرون على جوازه؛ مالك وغيره. وفي كتاب ابن حبيب منعه. ويعدل بينهن في النفقة، والكسوة؛ إذا كن معتدلات الحال، ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب. وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير جهة الميل. فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب، فلا يتأتى العدل فيهما. وهو المعني [ ص: 206 ] بقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تلمني فيما تملك ولا أملك). وعند أبي داود : يعني القلب. وإليه الإشارة بقوله تعالى: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم [النساء: 129]

و (قوله: كان للنبي صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم لا ينتهي إلى المرأة الأولى في تسع ) كذا صحت روايتنا: ( في تسع ) من غير إلا الإيجابية. وقد وقع في بعض النسخ: (إلا في تسع) وهو أصوب، وأوضح. فتأمله.

و (قوله: فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها ) حجة في أن الزوج لا يأتي غير صاحبة القسم. فأما اجتماعهن عند صاحبة القسم في بعض الأوقات فباختيارهن، ومن حق صاحبة القسم أن تمنعهن إن شاءت.

و (قوله: فكان في بيت عائشة فجاءت زينب ، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب فكف ) كان هذا في الوقت الذي لم يكن في البيوت مصابيح، وإنما مد يده إليها يظنها عائشة .

وفيه ما يدل: على صحة ما ذكرناه من أنه لا يجوز للزوج الاستمتاع بالواحدة في وقت الأخرى . فأما ما خرجه البخاري وأبو داود من حديث عائشة : من أنه صلى الله عليه وسلم (كان يطوف بعد العصر على نسائه، فيدنو منهن من غير مسيس). فقد قيل: إن ذلك كان إذ لم يكن القسم عليه واجبا. ويحتمل أن يقال: كان ذلك برضا أزواجه.

و (قوله: فتقاولتا حتى استخبتا ): عند كافة الشيوخ: بالخاء المعجمة، بعدها [ ص: 207 ] باء بواحدة مفتوحتين: من السخب. وهو: اختلاط الأصوات، وارتفاعها. ويقال: بالصاد. ووقع في رواية السمرقندي : استحثيا - بالحاء المهملة - وسكونها، وبعدها ثاء مثلثة، وبعدها ياء باثنتين من تحتها. ومعناه - إن لم يكن تصحيفا -: حثت كل واحدة منهما في وجه الأخرى التراب. وصوابه: استحثتا - باثنتين من فوقها، وسبب هذا الواقع بينهما: الغيرة.

وفيه ما يدل على جميل عشرة النبي صلى الله عليه وسلم ومداراته .

و (قوله: وأقيمت الصلاة ) يدل على أن تلك الحالة الواقعة لهم كانت قريب الفجر، وأنهما دامتا على المقاولة إلى أن أقيمت صلاة الصبح.

وليس في مد يده إلى زينب دليل على أن اللمس لا ينقض الوضوء، كما قد زعمه بعضهم؛ إذ لم ينقل أنه كان منه لمس على غير حائل، ولا أنه كان توضأ قبل ذلك، فلعله بعد ذلك توضأ.

وقول أبي بكر رضي الله عنه: ( احث في أفواههن التراب ) مبالغة في الردع والزجر لهن، عن رفع أصواتهن على صوت النبي صلى الله عليه وسلم وترك احترامه.

التالي السابق


الخدمات العلمية