المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
2749 [ 1564 ] وعن أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام قال: فلاعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية، وإن جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء قال: فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعدا حمش الساقين.

رواه مسلم (1496)، والنسائي ( 6 \ 171 و 173).
و (قوله في هلال بن أمية : ( إنه كان أول من لاعن في الإسلام ) هذا يقتضي: أن آية اللعان نزلت بسبب هلال بن أمية ، وكذلك ذكره البخاري . وهو مخالف لما تقدم: أنها نزلت بسبب عويمر العجلاني . وهذا يحتمل: أن تكون القضيتان متقاربتي الزمان فنزلت بسببهما معا. ويحتمل: أن تكون الآية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين؛ أي: كرر نزولها عليه، كما قال بعض العلماء في سورة الفاتحة: إنها نزلت بمكة ، وتكرر نزولها بالمدينة . وهذه الاحتمالات وإن بعدت؛ فهي أولى من أن يطرق الوهم للرواة الأئمة الحفاظ.

وقد أنكر أبو عبد الله أخو المهلب في هذه الأحاديث هلال بن أمية ، وقال: هو خطأ، والصحيح: أنه عويمر . ونحوا منه قاله الطبري . وقال: إنما هو عويمر ، وهو الذي قذفها بشريك بن سحماء ، والله تعالى أعلم.

وظاهر هذا الحديث: أن هلالا لما صرح بذكر شريك : أنه قذفه. ومع ذلك فلم يحده النبي صلى الله عليه وسلم له. وبهذا قال الشافعي : إنه لا حد على الرامي لزوجته إذا سمى الذي رماها به ثم التعن ورأى أنه التعن لهما. وعند مالك : أنه يحد، [ ص: 301 ] ولا يكتفى بالتعانه؛ لأنه إنما التعن للمرأة، ولم تكن له ضرورة إلى ذكره، بخلاف المرأة. فهو إذا قاذف فيحد. واعتذر بعض أصحابنا عن حديث شريك : بأن يقال: بأنه كان يهوديا. وأيضا: فلم يطلب شريك بشيء من ذلك. وهو حقه، فلا متعلق في الحديث.

قال القاضي عياض : لا يصح قول من قال: إن شريكا كان يهوديا. وهو باطل. وهو: شريك بن عبدة بن مغيث ، وهو بلوي حليف الأنصار ، وهو أخو البراء بن مالك لأمه.

والسبط الشعر: هو المسترسله، المنبسطه. يقال: شعر سبط بكسر الباء وفتحها، لغتان و: سبط شعره، يسبط: إذا صار كذلك، وهو ضد الجعودة.

و ( قضيء العينين ): فاسدهما. قال ابن دريد في "الجمهرة": قضئت عين الرجل: إذا احمرت، ودمعت. وقضئت القربة، تقضأ قضأ، فهي قضيئة، على وزن فعيلة: إذا عفنت، وتهافتت.

و ( الجعد ) في هذا هو: المتكسر، على ضد السبوطة المتقدمة.

وفي رواية أخرى: ( إن جاءت به جعدا قططا ) أي: شديد الجعودة.

و ( أحمش الساقين ): دقيقهما. ويقال للمرأة: حمشاء الساقين. قاله الهروي ، وغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية