المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
265 (59) باب

ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

[ 143 ] عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : جنتان من فضة ، آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب ، آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه ، في جنة عدن .

رواه أحمد ( 411 ) ، والبخاري ( 4878 ) و ( 7444 ) ، ومسلم ( 180 ) ، والترمذي ( 2530 ) ، وابن ماجه ( 186 ) .


[ ص: 412 ] (59) ومن باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة

(قوله : " ما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه ") الرداء هنا : استعارة كنى بها عن كبريائه وعظمته ، كما قال في الحديث الآخر : " الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري " وليست العظمة والكبرياء من جنس الثياب المحسوسة ، وإنما هي توسعات ، ووجه المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا ملازمين للإنسان مخصوصين به لا يشاركه فيهما غيره ، عبر عن عظمة الله وكبريائه بهما ; لأنهما مما لا يجوز مشاركة الله فيهما . ألا ترى آخر الحديث : " فمن نازعني واحدا منهما قصمته ثم قذفته في النار " .

ومعنى حديث أبي موسى أن مقتضى جبروت الله تعالى وكبريائه وعزته واستغنائه ألا يراه أحد ولا يعبأ بأحد ولا يلتفت إليه ، لكن لطفه وكرمه بعباده المؤمنين ورحمته لهم ، وعوده عليهم ، يقتضي أن يمن عليهم بأن يريهم وجهه ; إبلاغا في الإنعام وإكمالا للامتنان ، فإذا كشف عنهم الموانع وأراهم وجهه الكريم ، فقد فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء ، فكأنه قد رفع عنهم حجابا يمنعهم .

[ ص: 413 ] ووجه الله تعالى هل هو عبارة عن وجوده المقدس ، أو عن صفة شريفة عظيمة معقولة ؟ في ذلك ، لأئمتنا قولان ، وكذلك القول في اليد والعين والجنب المضافة إلى الله تعالى .

و (قوله : " في جنة عدن ") متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم ، فكأنه قال : كائنين في جنة عدن ، ولا يكون من الله تعالى ; لاستحالة المكان والزمان عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية