المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
19 (4) باب

مباني الإسلام

[ 13 ] عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان .

وفي رواية : وصيام رمضان ، والحج . فقال رجل : الحج ، وصيام رمضان ؟ قال : لا ، صيام رمضان ، والحج ، هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
.

وفي أخرى : بني الإسلام على خمس : على أن يعبد الله ، ويكفر بما دونه ، وإقام الصلاة . . . الحديث .

رواه أحمد ( 2 \ 26 و 93 ) ، والبخاري ( 8 ) ، ومسلم ( 16 ) ، والترمذي ( 2736 ) ، والنسائي ( 8 \ 107 ) .


(4) ومن باب مباني الإسلام

(قوله - عليه الصلاة والسلام - : " بني الإسلام على خمس ") يعني : أن هذه الخمس أساس دين الإسلام ، وقواعده عليها تنبني ، وبها تقوم ، وإنما خص هذه بالذكر ولم يذكر معها الجهاد ، مع أنه به ظهر الدين ، وانقمع به عتاة الكافرين ; لأن هذه الخمس فرض دائم على الأعيان ، ولا تسقط عمن اتصف بشروط ذلك ، والجهاد من فروض الكفايات ، وقد يسقط في بعض الأوقات ، بل وقد صار جماعة [ ص: 169 ] كثيرة إلى : أن فرض الجهاد قد سقط بعد فتح مكة ، وذكر أنه مذهب ابن عمر ، والثوري ، وابن سيرين ، ونحوه لسحنون من أصحابنا ، إلا أن ينزل العدو بقوم ، أو يأمر الإمام بالجهاد ، فيلزم عند ذلك .

وقد ظهر من عدول ابن عمر عن جواب الذي قال له : ألا تغزو ؟ إلى جوابه بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : بني الإسلام على خمس ، أنه كان لا يرى فرضية الجهاد في ذلك الوقت خاصة ، أو على أنه يرى سقوطه مطلقا ; كما نقل عنه .

وحديث ابن عمر هذا قد روي من طرق : ففي بعضها : شهادة أن لا إله إلا الله ، وفي بعضها : على أن تعبد الله ، وتكفر بما دونه ، فالأولى نقل للفظ ، والأخرى نقل بالمعنى ، والأصل نقل اللفظ ، وهو المتفق عليه .

وقد اختلف في جواز نقل الحديث بالمعنى من العالم بمواقع الكلم ، وتركيبها على قولين : الجواز ، والمنع . وأما من لا يعرف ، فلا خلاف في تحريم ذلك عليه ، وقد أوضحنا المسألة في " الأصول " .

وقد وقع في بعض الروايات في الأصل تقديم الحج على الصوم ، وهي وهم ، والله أعلم ; لأن ابن عمر لما سمع المستعيد يقدم الحج على الصوم ، زجره ونهاه عن ذلك ، وقدم الصوم على الحج ، وقال : هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ولا شك في أن نقل اللفظ كما سمع هو الأولى والأسلم ، والأعظم للأجر ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ، ثم أداها كما سمعها ; فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه .

ويحتمل أن [ ص: 170 ] يكون محافظة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ترتيب هذه القواعد ; لأنها نزلت كذلك : الصلاة أولا ، ثم الزكاة ، ثم الصوم ، ثم الحج .

ويحتمل ذلك أن يكون لإفادة الأوكد فالأوكد ; فقد يستنبط الناظر في ذلك الترتيب تقديم الأوكد على ما هو دونه إذا تعذر الجمع بينهما ; كمن ضاق عليه وقت الصلاة ، وتعين عليه في ذلك الوقت أداء الزكاة لضرورة المستحق ; فيبدأ بالصلاة ، أو كما إذا ضاق وقت الصلاة على الحاج ، فيتذكر العشاء الآخرة ، وقد بقي عليه من وقت صلاة العشاء الآخرة ما لو فعله فاته الوقوف بعرفة ، فقد قال بعض العلماء : إنه يبدأ بالصلاة وإن فاته الوقوف ; نظرا إلى ما ذكرناه ، وقيل : يبدأ بالوقوف ; للمشقة في استئناف الحج .

ومن ذلك : لو أوصى رجل بزكاة فرط في أدائها ، وبكفارة فطر من رمضان ، وضاق الثلث عنهما ، بدأ بالزكاة أولا لأوكديتها على الصوم ، وكذلك : لو أوصى بكفارة الفطر وبهدي واجب في الحج ، قدم كفارة الفطر ; وهذا كله على أصل مالك ، فإن ذلك كله يخرج من الثلث ، وأما من ذهب إلى أن ذلك يخرج من رأس المال ، فلا تفريع على ذلك بشيء مما ذكرناه ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية