المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3800 (8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

[ 1924 ] عن جابر بن عبد الله قال: لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا، فانكفأت إلى امرأتي فقلت لها: هل عندك شيء؟ فإني قد رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم خمصا شديدا. فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن، قال: فذبحتها وطحنت، ففرغت إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، قال: فجئته فساررته فقلت: يا رسول الله، إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك. فصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا أهل الخندق، إن جابرا قد صنع لكم سورا، فحيهلا بكم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنزلن برمتكم، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء. فجئت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلت الذي قلت لي، فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك، ثم قال: ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي من برمتكم، ولا تنزلوها. وهم ألف، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو.

رواه البخاري (3070) ومسلم (2039).
[ ص: 308 ] (8) ومن باب جعل قليل الطعام كثيرا ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -

(الخمص): الجوع، وأصله: من خمص البطن، وهو: ضموره، ولما كان الجوع يضمر البطن سمي به. و(البهيمة) الصغيرة من الضأن، تصغير: بهمة. والجمع: بهم. و(الداجن): الملازم للبيت، ودجن في كذا; أي: أقام فيه.

و(قوله: انكفأت إلى أهلي ) أي: انقلبت إليهم، وانصرفت.

و(الجراب): وعاء من جلد.

و(قوله: إن جابرا قد صنع لكم سورا ) أي: اتخذ طعاما لدعوة الناس، كلمة فارسية، قاله الطبري وغيره، وقال غيرهما: هو الطعام نفسه بالفارسية.

و(قوله: حيهلا بكم ) أي: أقبلوا وهلموا. قال الهروي : (حي) كلمة على [ ص: 309 ] حدة، ومعناها: هلم، و(هلا): كلمة على حدة، فجعلا كلمة واحدة. قال غيره: وفيها لغات، يقال: حي هل، وهل، وهلى، وهلا، وحي هل، وحي هل - بسكونهما - وحكى أبو عبيدة : حيهلك، وهي التي يقال فيها: حي على بمعنى. وهي عند أبي عبيدة بمعنى: عليك بكذا; أي: ادع به.

و(قولها: بك وبك ) عتب عتبت عليه، وكأنها قالت له: فعلت هذا برأيك، وسوء نظرك. تعني: دعاءه للناس كلهم، وظنت أنه لم يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدر الطعام. ويحتمل أن يكون معناه: بك تنزل الفضيحة، وبك يقع الخجل، ويحتمل أن يكون دعاء; أي: أوقع الله بك الفضيحة أو الخجل، ونحو هذا.

و(قوله: فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس ) هذا منه - صلى الله عليه وسلم - مخالف للذي نقل من سيرته مع أصحابه أنه كان لا يتقدمهم، ولا يوطأ عقبه، وإنما كان يمشي بين أصحابه أو يقدمهم، وإنما تقدمهم في هذا الموضع لأنه هو الذي دعاهم، فكان دليلهم إلى الموضع الذي دعاهم إليه.

و(قوله: وبارك فيها ) أي: دعا بالبركة، فاستجيب له على الفور، وظهرت معجزاته وبركاته لما أكل من الصاع الشعير والبهمة ذلك العدد الكثير، ثم بقي الطعام على حاله كما كان أول مرة. وعلى هذا: لو كانوا مائة ألف لكفاهم.

وغطيط القدر: صوت فورانها.

التالي السابق


الخدمات العلمية