المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3828 (15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

[ 1940 ] عن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل، وأبو أيوب في العلو، قال: فانتبه أبو أيوب ليلة فقال: نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنحوا، فباتوا في جانب، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السفل أرفق. فقال: لا أعلو سقيفة أنت تحتها، فتحول النبي صلى الله عليه وسلم في العلو، وأبو أيوب في السفل، فكان يصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما، فإذا جيء به إليه سأل عن موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصنع له طعاما فيه ثوم، فلما رد إليه سأل عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لم يأكل، ففزع وصعد إليه، فقال: أحرام هو؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ولكني أكرهه. قال: فإني أكره ما تكره، أو ما كرهت، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى. يعني: يأتيه الوحي.

رواه أحمد (5 \ 415) ومسلم (2053) (171).
[ ص: 328 ] و(قوله: أحرام الثوم؟) هذا سؤال من يعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ترك أكل شيء جرت العادة بأكله كان ذلك دليلا على تحريمه، ولذلك أجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (لا)، وهو رد على من يقول من أهل الظاهر: إنه حرام، يمنع حضور الجماعات للصلاة، وقد تقدم الكلام على هذا في كتاب الصلاة.

و(قوله: ولكني أكرهه ) هذا يدل على كراهة أكل الثوم وإن كان مطبوخا. وقد تقدم قول عمر - رضي الله عنه - فمن أكلهما فليمتهما طبخا، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرههما مطلقا لخصوصيته بمناجاة الملائكة، ولذلك قال في بعض الحديث: (فإني أناجي من لا تناجي).

و(قول أبي أيوب : فإني أكره ما تكره ) فيه جواز الامتناع من المباح، وإطلاق اسم الكراهة عليه، وإن لم يكن مطلوب الترك .

وإنما تحرج أبو أيوب من البقاء في العلو الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تحته; إعظاما للرسول - صلى الله عليه وسلم - واحتراما عن أن يعلوه، ولإمكان أن يسقط من العلو شيء عند حركتهم في العلو، فيؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -.

[ ص: 329 ] و(قوله - صلى الله عليه وسلم -: السفل أرفق بنا ) يعني بذلك من جهة الصعود إلى العلو، وبما يلحق في تكرار ذلك من المشقة، ومع ذلك فتجشمها النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى صدق أبي أيوب في احترامه، وعزمه على ألا يسكن العلو بوجه، فلو لم يجبه إلى ذلك لانتقل منه أبو أيوب إلى موضع آخر، وربما تكثر عليه المشقة والحرج، فآثر موافقته على المشقة اللاحقة له في الصعود.

و(قوله: كان - صلى الله عليه وسلم - يؤتى ) قد فسره الراوي بقوله: يعني: يأتيه الوحي. ومعناه: يؤتى بالوحي; أي: يجاء إليه به. والوحي: ما يبلغه عن الله تعالى مما يبلغه جبريل عليه السلام.

التالي السابق


الخدمات العلمية