المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
339 [ 176 ] وعن عثمان ; قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أتم الوضوء كما أمره الله ، فالصلوات المكتوبات كفارات لما بينهن .

رواه أحمد ( 1 \ 66 ) ، ومسلم ( 231 ) ، وابن ماجه ( 459 ) ، والنسائي ( 1 \ 91 ) .


(3) ومن باب فضل تحسين الوضوء

(قوله : " وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة ") يعني : أن الوضوء لم يبق [ ص: 491 ] عليه ذنبا ، فلما فعل بعده الصلاة كان ثوابها زيادة له على المغفرة المتقدمة . و " النفل " : الزيادة ، ومنه : نفل الغنيمة ; وهو ما يعطيه الإمام من الخمس بعد القسمة .

وهذا الحديث يقتضي أن الوضوء بانفراده يستقل بالتكفير . وكذلك حديث أبي هريرة ، فإنه قال فيه : " إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه " ، وهكذا إلى أن قال : " حتى يخرج نقيا من الذنوب " ، وهذا بخلاف أحاديث عثمان المتقدمة ; إذ مضمونها : أن التكفير إنما يحصل بالوضوء إذا صلى به صلاة مكتوبة يتم ركوعها وخشوعها . والتلفيق من وجهين :

أحدهما : أن يرد مطلق الأحاديث إلى مقيدها .

والثاني : أن نقول : إن ذلك يختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص ; فلا بعد في أن يكون بعض المتوضئين يحصل له من الحضور ، ومراعاة الآداب المكملة ما يستقل بسببها وضوؤه بالتكفير ، ورب متوضئ لا يحصل له مثل ذلك ، فيكفر عنه بمجموع الوضوء والصلاة ، ولا يعترض على هذا بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبة كفارات لما بينهن " ، لأنا نقول : من اقتصر على واجبات الوضوء فقد توضأ كما أمره الله تعالى ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي : " توضأ كما أمرك الله " ، فأحاله على آية [ ص: 492 ] الوضوء ، على ما قدمناه . وكذلك ذكر النسائي من حديث رفاعة بن رافع ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنها لم تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء ، كما أمره الله تعالى ، فيغسل وجهه ، ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ، ورجليه إلى الكعبين " ، ونحن إنما أردنا المحافظة على الآداب المكملة التي لا يراعيها إلا من نور الله باطنه بالعلم والمراقبة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية