المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3923 [ 2014 ] وعن أنس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل.

رواه البخاري (5846) ومسلم (2101) وأبو داود (4179) والترمذي (2816) والنسائي (8 \ 189).
[ ص: 418 ] (14) ومن باب صبغ الشعر والنهي عن تسويده

قوله: ( أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ) أبو قحافة : هو والد أبي بكر الصديق ، واسمه: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم ، أسلم يوم فتح مكة، وله صحبة، ومات في المحرم سنة أربع عشرة من الهجرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد وفاة ابنه أبي بكر بأشهر.

و( الثغامة ): نبت أبيض الزهر والثمر، شبه بياض الشيب به. قاله أبو عبيد . وقال ابن الأعرابي : هو شجرة تبيض كأنها الثلجة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( غيروا هذا الشيب ) أمر بتغيير الشيب. قال به جماعة من الخلفاء والصحابة، لكن لم يصر أحد إلى أنه على الوجوب، وإنما هو مستحب. وقد رأى بعضهم: أن ترك الخضاب أفضل، وبقاء الشيب أولى من تغييره; متمسكين في ذلك بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن تغيير الشيب على ما ذكروه، وبأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يغير شيبه، ولا اختضب.

قلت: وهذا القول ليس بشيء. أما الحديث الذي ذكروه: فليس بمعروف، ولو كان معروفا فلا يبلغ في الصحة إلى هذا الحديث. وأما قولهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخضب فليس بصحيح، بل قد صح عنه أنه خضب بالحناء وبالصفرة على ما مضى. ويأتي إن شاء الله تعالى.

و(قوله: واجتنبوا السواد ) أمر باجتناب السواد، وكرهه جماعة منهم [ ص: 419 ] علي بن أبي طالب ، ومالك .

قلت: وهو الظاهر من هذا الحديث. وقد علل ذلك بأنه من باب التدليس على النساء، وبأنه سواد في الوجه فيكره; لأنه تشبه بسيما أهل النار.

وقد روى أبو داود : أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها) غير أنه لم يسمع أن أحدا من العلماء قال بتحريم ذلك، بل قد روي عن جماعة كثيرة من السلف: أنهم كانوا يصبغون بالسواد، منهم: عمر ، وعثمان ، والحسن ، والحسين ، وعقبة بن عامر ، ومحمد بن علي ، وعلي بن عبد الله بن عباس ، وعروة بن الزبير ، وابن سيرين ، وأبو بردة في آخرين. وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: هو أشكر للزوجة، وأرهب للعدو.

قلت: ولا أدري عذر هؤلاء عن حديث أبي قحافة ما هو؟ فأقل درجاته: الكراهة. كما ذهب إليه مالك .

[ ص: 420 ] قلت: وأما الصباغ بالحناء بحتا، وبالحناء والكتم: فلا ينبغي أن يختلف فيه لصحة الأحاديث بذلك، غير أنه قد قال بعض العلماء: إن الأمر في ذلك محمول على حالين:

أحدهما: عادة البلد; فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تقبح وتكره.

وثانيهما: اختلاف حال الناس في شيبهم، فرب شيبة نقية هي أجمل بيضاء منها مصبوغة، وبالعكس، فمن قبحه الخضاب اجتنبه، ومن حسنه استعمله، وللخضاب فائدتان:

إحداهما: تنظيف الشعر مما يتعلق به من الغبار، والدخان.

والأخرى: مخالفة أهل الكتاب لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( خالفوا اليهود والنصارى ، فإنهم لا يصبغون ).

قلت: ولكن هذا الصباغ بغير السواد؛ تمسكا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( اجتنبوا السواد ) والله تعالى أعلم.

وقد تقدم الكلام على النهي عن التزعفر، وسيأتي القول في مخالفة أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية