المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
3980 [ 2046 ] وعنه: ولد لرجل منا غلام; فسماه القاسم، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عينا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: أسم ابنك عبد الرحمن.

رواه مسلم (2133) (7).
وأما حديث جابر فيقتضي أن النهي عن ذلك إنما كان لأن ذلك الاسم لا يصدق على غيره صدقه عليه، ولذلك قال متصلا بقوله: ( تسموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، فإني أنا أبو القاسم أقسم بينكم ) وفي الرواية الأخرى: ( فإنما بعثت إليكم قاسما ) يعني: أنه هو الذي يبين قسم الأموال في المواريث، والغنائم، والزكوات، والفيء، وغير ذلك من المقادير، فيبلغ عن الله حكمه، ويبين قسمه. وليس ذلك لأحد، إلا له، فلا يطلق هذا الاسم في الحقيقة إلا عليه.

وعلى هذا التأويل الثاني: فلا يكتني أحد بأبي القاسم، لا في حياته، ولا بعد موته. وإلى هذا ذهب بعض السلف، وأهل الظاهر، وزادت طائفة أخرى من السلف منع التسمية بالقاسم; لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم. وذهبت طائفة ثالثة من السلف أيضا: إلى أن الممنوع إنما هو الجمع بين اسمه وكنيته، واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمي محمدا أبا القاسم ) قال: حديث حسن صحيح. وعلى هذا [ ص: 458 ] فيجوز أن يكتني بأبي القاسم من لم يكن اسمه محمدا. وذهب الجمهور من السلف والخلف، وفقهاء الأمصار: إلى جواز كل ذلك، فله أن يجمع بين اسمه وكنيته، وله أن يسمي بما شاء من الاسم والكنية بناء على أن كل ما تقدم إما منسوخ وإما مخصوص به - صلى الله عليه وسلم - واحتجوا على ذلك بما رواه الترمذي وصححه من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله! إني ولدت غلاما فسميته: محمدا وكنيته بأبي القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك. فقال: (ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي؟!) أو: (ما الذي حرم كنيتي وأحل اسمي؟!) ويتأيد النسخ بما ثبت أن جماعة كثيرة من السلف وغيرهم سموا أولادهم باسمه، وكنوهم بكنيته جمعا وتفريقا. وكأن هذا كان أمرا معروفا معمولا به في المدينة وغيرها. فقد صارت أحاديث الإباحة أولى; لأنها:

إما ناسخة لأحاديث المنع، وإما مرجحة بالعمل المذكور، والله تعالى أعلم.

وقد شذت طائفة فمنعوا التسمية بمحمد جملة، متمسكين بذلك بما يروى عن [ ص: 459 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تسمون أولادكم محمدا، ثم تلعنونهم) وبما كتب عمر - رضي الله عنه - إلى الكوفة من قوله: (لا تسموا أحدا باسم نبي) وبأمره جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمدا، ولا حجة في شيء من ذلك. أما الحديث: فغير معروف عند أهل النقل، وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من اسمه محمد، لا عن التسمية به. وقد قدمنا النصوص الدالة على إباحة التسمية بذلك، بل: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة تدل على الترغيب في التسمية بمحمد ; كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد، ومحمدان) وكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ما اجتمع قوم في مشورة فيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه فيها إلا لم يبارك لهم فيها) ومثله كثير.

وأما أمر عمر - رضي الله عنه -: فكان بسبب: أنه سمع رجلا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب : فعل الله بك يا محمد وصنع بك. فدعا عمر به، وقال: ألا أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسب بك! والله! لا تدعى [ ص: 460 ] محمدا أبدا، وعند ذلك - والله تعالى أعلم - كتب لأهل الكوفة وأمر أهل المدينة بما سبق، ثم إنه ذكر له جماعة سماهم النبي - صلى الله عليه وسلم – بذلك، فترك الناس من ذلك.

تنبيه: الأصل في الكناية أن يكون للرجل ابن فيكنى باسم ابنه ذلك، ولذلك كني النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي القاسم ، فإنه كان له ولد يسمى: القاسم من خديجة رضي الله عنها، وكأنه كان أول ذكور أولاده. وعلى هذا: فلا ينبغي أن لا يكنى أحد حتى يكون له ولد يكنى باسمه، لكن: قد أجاز العلماء خلاف هذا الأصل، فكنوا من ليس له ولد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها; أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كل صواحباتي لهن كنى، وليس لي كنية، فقال: (اكتني بابن أختك عبد الله ) فكانت تكتني بأم عبد الله . وقد كنى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصغير، فقال: (يا أبا عمير ! ما فعل النغير) وقد قال عمر - رضي الله عنه -: عجلوا بكنى أبنائكم وأولادكم; لا تسرع إليهم ألقاب السوء.

التالي السابق


الخدمات العلمية