المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
362 (6) باب

الغرة والتحجيل من الإسباغ وأين تبلغ الحلية وفضل الإسباغ على المكاره

[ 184 ] عن نعيم بن عبد الله المجمر ; قال : رأيت أبا هريرة يتوضأ ; فغسل وجهه وأسبغ الوضوء ، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ . وقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنتم الغر المحجلون يوم القيامة ، من إسباغ الوضوء ، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله .

رواه أحمد ( 2 \ 400 ) ، والبخاري ( 136 ) ، ومسلم ( 246 ) .


(6) ومن باب الغرة والتحجيل

قوله : " ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ") أشرع : رباعي ; أي : [ ص: 499 ] مد يده بالغسل إلى العضد ، وكذلك : " حتى أشرع في الساق " أي : مد يده إليه ، من قولهم : أشرعت الرمح قبله ; أي : مددته إليه ، وسددته نحوه ، وأشرع بابا إلى الطريق ; أي : فتحه مسددا إليه ، وليس هذا من : شرعت في هذا الأمر ، ولا من : شرعت الدواب في الماء بشيء ; لأن هذا ثلاثي وذاك رباعي . وكان أبو هريرة يبلغ بالوضوء إبطيه وساقيه ، وهذا الفعل منه مذهب له ، ومما انفرد به ، ولم يحكه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلا ، وإنما استنبطه من قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أنتم الغر المحجلون " . ومن قوله : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ منه الوضوء " . قال أبو الفضل عياض : والناس مجمعون على خلاف هذا ، وأن لا يتعدى بالوضوء حدوده لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " فمن زاد فقد تعدى وظلم " .

والإشراع المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة هو محمول على استيعاب المرفقين والكعبين بالغسل ، وعبر عن ذلك بالإشراع في العضد والساق ; لأنهما مباديهما . وتطويل الغرة والتحجيل بالمواظبة على الوضوء لكل صلاة وإدامته ، فتطول غرته بتقوية نور وجهه ، وتحجيله بتضاعف نور أعضائه .

قال الشيخ - رحمه الله - : وأصل الغرة لمعة بيضاء في جبهة الفرس ، تزيد على قدر الدرهم ، يقال منه : فرس أغر ، ثم قد استعمل في الجمال والشهرة وطيب الذكر ، كما قال :


ثياب بني عوف طهارى نقية وأوجههم عند المشاهد غرار

[ ص: 500 ] والتحجيل : بياض في اليدين والرجلين من الفرس ، وأصله من الحجل ; وهو الخلخال والقيد . ولا بد أن يجاوز التحجيل الأرساغ ولا يجاوز الركبتين والعرقوبين ، وهو في هذا الحديث مستعار عبارة عن النور الذي يعلو أعضاء الوضوء يوم القيامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية