المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4015 [ 2065 ] وعن أنس بن مالك: أن رجلا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام إليه بمشقص أو مشاقص، فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه.

رواه البخاري (6900) ومسلم (2157) والترمذي (2718).
و(قوله: إن رجلا اطلع من جحر في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) هذا الفعل يحرم [ ص: 479 ] قطعا، وخصوصا في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعظيم حرمته، وحرمة أزواجه، لا جرم علق على هذا الفعل من العقوبة جواز الطعن في عين الناظر، كما ظهر من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن فعله، وقد تقدم الكلام على هذا وذكر الخلاف فيه في كتاب القصاص.

غريب: ( الجحر ): واحد الجحرة. وهي: مكامن الوحش، ولما كانت نقبا في الأرض سمي بذلك النقب في الباب، وفي الحائط، وغير ذلك.

و( المدرى ): بالدال المهملة: واحد المداري. قال ثابت : هي الأمشاط، وفي هذا التفسير تسامح، وأوضح منه وأصح قول النضر بن شميل ، وابن كيسان : أنه عود، أو عاج تنشر به المرأة شعرها وتجعده. قال امرؤ القيس:


غدائره مستشزرات إلى العلا تظل المداري في مثنى ومرسل



ومؤنثه: مدراة، وقد عبر عنه في الرواية الأخرى: بمشقص وبمشاقص، وقد قلنا: إن المشقص نصل عريض. وقيل: هو السكين. فيحتمل أن يكون هذا المدرى من حديد، وكما يعمل من عاج وعود يجوز أن يعمل من حديد، أو يكون شبهه بالسكين.

و( يختله ): يراوغه، ويخادعه.

و( فخذفته ) بالخاء المعجمة: هي الرواية الصحيحة، ومن رواها بالحاء المهملة فقد أخطأ; فإن الخذف بالخاء: بالحجر، والحذف بالمهملة بالعصا.

و( الجناح ): الإثم، والمؤاخدة، ونحوه: الحرج، وأصله من الضيق، ومنه قوله تعالى: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [ ص: 480 ] بكسر الراء، وقرئت بالفتح: (كالغرد والغرد) والدنف والدنف.

و(قوله: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) دليل على صحة التعليل القياسي. فهو حجة الجمهور على نفاة القياس.

و(قوله: يرجل به رأسه ) دليل على استحباب إصلاح الشعر وإكرامه، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (من كانت له جمة فليكرمها) ولكن لا ينتهي بذلك إلى أن يخرج إلى الترفه والسرف المنهي عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - حيث قال: (نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من الإرفاه، وأمرنا أن نحتفي أحيانا).

و(الترجل): مشط الشعر وتكسيره.

[ ص: 481 ] قلت: يمكن أن يحمل حديث سهل وأنس على أن الذي هم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من طعن المطلع على الخصوص ببيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لعظيم حرمته، وحرمة أهل بيته، غير أن حديث أبي هريرة يقتضي إباحة ذلك الطعن عامة في بيته وبيت غيره، فإنه قال فيه: ( من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه ) فإذا هذا الحكم ليس مخصوصا به.

التالي السابق


الخدمات العلمية