المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4048 (17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

[ 2090 ] عن أم سلمة: أن مخنثا كان عندها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فقال لأخي أم سلمة: يا عبد الله بن أبي أمية، إن فتح الله عليكم الطائف غدا، فإني أدلك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، قال: فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا يدخل هؤلاء عليكم.

رواه أحمد (6 \ 290) والبخاري (5887) ومسلم (2180) وأبو داود (4929) وابن ماجه (1902 و 2614).
(17) ومن باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

التخنث: هو اللين والتكسر. والمخنث: هو الذي يلين في قوله، ويتكسر في مشيته، ويتثنى فيها كالنساء. وقد يكون خلقة، وقد يكون تصنعا من الفسقة. ومن كان ذلك فيه خلقة; فالغالب من حاله: أنه لا أرب له في النساء، ولذلك كان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة، فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر فحجبوه.

وقوله: ( إن مخنثا كان عندها ) اختلف في اسم هذا المخنث، والأشهر: أن اسمه هيت بياء ساكنة بعد الهاء باثنتين من تحتها، وآخرها تاء باثنتين من فوقها. وقيل: صوابه هنب - بنون وباء بواحدة أخيرا - والهنب: الرجل الأحمق، قاله ابن درستويه . وقيل: إن هذا المخنث هو ماتع- باثنتين من فوقها - مولى [ ص: 513 ] أبي فاختة المخزومي . قيل: وكان هو وهيت يدخلان في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما وقعت هذه القصة غربهما النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الحمى. وقيل: إن مخنثا كان بالمدينة نفاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد .

وقول المخنث: ( أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع، وتدبر بثمان ) قال أبو عبيد : يعني به: العكن، وهي أربع تقبل بهن، ولها أطراف أربعة من كل جانب فتصير ثمانية.

قلت: وإنما أنث فقال: بأربع وبثمان; وهو يريد الأطراف، وواحدها طرف، مذكر;
لأن هذا على حد قولهم: هذا الثوب سبع في ثمان، والثمان يراد بها الأشبار، ووجه ذلك أنه يعني به العكن، وهي جمع عكنة، وهي الطي الذي يكون في جانبي البطن من السمن، وتجمع: عكن، وأعكان. وتعكن البطن: إذا صار ذلك فيه.

يريد المخنث: أن هذه المرأة إذا أقبلت كان لها من كل جانب من جوانب بطنها عكنتان، وإذا أدبرت كان لها من خلفها ثمان، وأنث العدد لتأنيث المعدود، وهو: العكن: جمع عكنة.

وقد روى هذا الحديث الواقدي ، والكلبي وقالا: إن (هيتا) المخنث، [ ص: 514 ] وكان مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي أخي أم سلمة لأبيها، وأم عبد الله عاتكة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له في بيت أم سلمة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمع: إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية ابنة غيلان بن غيلان الثقفي ; فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان، إن جلست تثنت، وإن تكلمت تغنت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قيس بن الخطيم:


تغترق الطرف وهي لاهية كأنما شف وجهها نزف     بين شكول النساء خلقتها
قصدا فلا غيلة ولا نصف     تنام عن كبر شأنها فإذا
قامت رويدا تكاد تنقصف



فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ( لقد غلغلت النظر إليها يا عدو الله ) ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى. قال: فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف ، فولدت له في قول الكلبي قال: ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما ولي أبو بكر - رضي الله عنه - كلم فيه، فأبى أن يرده، فلما ولي عمر - رضي الله عنه - كلم فيه، فأبى أن يرده، ثم كلم فيه بعد، وقيل: إنه قد كبر وضعف وضاع، فأذن له أن يدخل كل جمعة، فيسأل، ويرجع إلى مكانه. قال أبو عمر بن عبد البر : يقال: بادية - بالياء - وبادنة - بالنون - والصواب بالياء، وهو قول أكثرهم.

و(قوله: تغنت ) هو من الغنة، لا من الغناء; أي: أنها تتغنن في كلامها [ ص: 515 ] للينها، ورخامة صوتها. يقال: تغنن الرجل، وتغنى، مثل: تضنن وتضنى.

وفيه: ما يدل على جواز العقوبة بالنفي عن الوطن لمن يخاف منه الفساد والفسق، وعلى تحريم ذكر محاسن المرأة المعينة; لأن ذلك إطلاع الأسماع على عورتها، وتحريك النفوس إلى ما لا يحل منها؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها) فأما ذكر محاسن من لا تعرف من النساء: فمباح إن لم يدع إلى مفسدة; من تهييج النفوس إلى الوقوع في الحرام، أو في المكروه.

التالي السابق


الخدمات العلمية