المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
364 [ 186 ] وفي رواية قال : إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن ، لهو أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل باللبن ، ولآنيته أكثر من عدد النجوم ، وإني لأصد الناس عنه كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه ، قالوا : يا رسول الله ! أتعرفنا يومئذ ؟ قال : نعم ، لكم سيما ليست لأحد من الأمم ، تردون علي غرا محجلين من أثر الوضوء .

رواه مسلم ( 247 ) .


و (قوله : " إن حوضي أبعد من أيلة إلى عدن ") يريد طوله وعرضه ، وقد جاء في الحديث الآخر : " زواياه سواء " . وسيأتي الكلام على الحوض إن شاء الله تعالى .

[ ص: 506 ] و (قوله : " إني لأصد الناس ") أي : لأمنع وأطرد الناس ; بمعنى : أنه يأمر بذلك ، والمطرودون هنا الذين لا سيماء لهم من غير هذه الأمة . ويحتمل أن يكون هذا الصد هو الذود الذي قال فيه في الحديث الآخر : " إني لأذود الناس عن حوضي بعصاي لأهل اليمن " مبالغة في إكرامهم ، يعني به السباق للإسلام من أهل اليمن ، والله أعلم .

و (قوله : " كما يصد الرجل إبل الناس عن حوضه ") وفي أخرى : " الإبل الغريبة " ، وهذا كقوله : " كما يذاد البعير الضال " ، ووجه التشبيه : أن أصحاب الإبل إذا وردوا المياه بإبلهم ازدحمت الإبل عند الورود ، فيكون فيها الضال والغريب ، وكل واحد من أصحاب الإبل يدفعه عن إبله ، حتى تشرب إبله ، فيكثر ضاربوه ودافعوه حتى لقد صار هذا مثلا شائعا . قال الحجاج لأهل العراق : " لأحزمنكم حزم السلمة ، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل " .

و (قوله : " لكم سيماء ليست لأحد غيركم ") السيماء : العلامة ، يمد ويهمز ويقصر ويترك همزه ، وهذا نص في أن الغرة والتحجيل من خواص هذه الأمة ، ولا يعارضه قوله - عليه الصلاة والسلام - : " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي " ; لأن الخصوصية بالغرة والتحجيل لا بالوضوء ، وهما من الله تفضل يختص به من يشاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية