المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4182 [ 2121 ] وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب، وخاتما من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكا وهو أطيب الطيب، فمرت بين المرأتين فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا، ونفض شعبة يده.

رواه أحمد (3 \ 40 و 46) ومسلم (2252).
[ ص: 556 ] (30) ومن باب ما جاء أن أطيب الطيب المسك

قوله: ( كانت امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب ) يحتمل: أن تكون هذه المرأة فعلت هذا لتستر قصرها عن الناس، فلا ينظرون إليها. ولعل قصرها كان خارجا عن غالب أحوال القصار، فإن كان هذا فلا إثم عليها لصحة قصدها، وحسن تسترها. وإن كانت فعلت ذلك لتتزين بإلحاقها نفسها بالطوال; فذلك ممنوع منه، فإنه من باب تغيير خلق الله كما تقدم.

وأما اتخاذها خاتم الذهب: فجائز للنساء على ما ذكرناه. وأما اتخاذها المسك: فمباح لها في بيتها، ويلحق بالمندوب إذا قصدت به حسن التبعل للزوج. وأما إذا خرجت: فإن قصدت أن يجد الرجال ريحها فهي زانية، كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعناه: أنها بمنزلة الزانية في الإثم. وأما إذا لم تقصد ذلك: فلا تسلم [ ص: 557 ] من الإثم، كيف لا وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا) وقال: (ليخرجن وهن تفلات) أي: غير متطيبات، وكل ذلك هو شرعنا. وهل كان كذلك في شرع بني إسرائيل أو لا؟ كل ذلك محتمل.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( أطيب الطيب المسك ) دليل واضح على طهارة المسك، وإن كان أصله دما، لكنه قد استحال إلى صلاح في مقره العادي، فصار كاللبن.

قال القاضي عياض : قد وقع الإجماع على طهارته وجواز استعماله. وما حكي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعمر بن عبد العزيز من الخلاف في ذلك لا يصح، فإن المعروف من السلف إجماعهم على جواز استعماله، واقتداؤهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية