المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
384 (8) باب

خصال الفطرة والتوقيت فيها

[ 194 ] عن عائشة ; قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء .

قال مصعب بن شيبة : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة .
قال وكيع : انتقاص الماء : يعني الاستنجاء .

رواه أحمد ( 6 \ 137 ) ، ومسلم ( 261 ) ، وأبو داود ( 53 ) ، والترمذي ( 2758 ) ، والنسائي ( 8 \ 126 - 127 ) .


(8) ومن باب خصال الفطرة

(قوله : " عشر من الفطرة ") المراد بالفطرة هنا : السنة ، قاله الخطابي ، وقد تقدم القول فيها عن الإسراء . وهذه الخصال هي التي ابتلى الله بها إبراهيم فأتمهن فجعله الله إماما ، قاله ابن عباس . وهذه الخصال مجتمعة في أنها محافظة على [ ص: 512 ] حسن الهيئة والنظافة ، وكلاهما يحصل به البقاء على أصل كمال الخلقة التي خلق الإنسان عليها ، وبقاء هذه الأمور وترك إزالتها يشوه الإنسان ويقبحه ، بحيث يستقذر ويجتنب ، فيخرج عما تقتضيه الفطرة الأولى ، فسميت هذه الخصال : فطرة لهذا المعنى ، والله أعلم .

ولا تباعد في أن يقول : هي : عشر ، وهي : خمس ; لاحتمال أن يكون أعلم بالخمس أولا ، ثم زيد عليها ، قاله عياض .

ويحتمل : أن تكون الخمس المذكورة في حديث أبي هريرة هي أوكد من غيرها ، فقصدنا بالذكر هنا تنبيها على غيرها من خصال الفطرة .

و " من " في قوله : " عشر من الفطرة " للتبعيض ; ولذلك لم يذكر فيها الختان ، ولعله هو الذي نسيه مصعب . وقص الشارب : أن يأخذ ما يطول عن إطار الشفة بحيث لا يشوش على الآكل ، ولا يجتمع فيه الوسخ . والإحفاء والجز في الشارب : هو ذلك القص المذكور ، وليس بالاستئصال عند مالك وجماعة من العلماء . وهو عنده مثلة يؤدب من فعله ; إذ قد وجد من يقتدى به من الناس لا يحفون جميعه ولا يستأصلون ذلك . وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا حزبه أمر فتل شاربه ، ولو كان يستأصله لم يكن له ما يفتل . وذهب الكوفيون وغيرهم : إلى الاستئصال ، تمسكا بظاهر اللفظ . وذهب بعض العلماء إلى التخيير في ذلك .

وأما إعفاء اللحية : فهو توفيرها وتكثيرها . قال أبو عبيد : يقال : عفا الشيء ; إذا كثر وزاد . وأعفيته أنا وعفا إذا درس ، وهو من الأضداد . وقال غيره : يقال : عفوت الشعر وأعفيته لغتان ، فلا يجوز حلقها ، ولا نتفها ، ولا قص الكثير منها . فأما أخذ ما تطاير منها ، وما يشوه ويدعو إلى الشهرة طولا [ ص: 513 ] وعرضا فحسن عند مالك وغيره من السلف ، وكان ابن عمر يأخذ من طولها ما زاد على القبضة . والبراجم : مفاصل الأصابع ، وقد تقدم الكلام عليها ، وهي إن لم تتعاهد بالغسل أسرع إليها الوسخ .

و " انتقاص الماء " ; قال أبو عبيد : انتقاص البول بالماء : إذا غسل مذاكيره به ، وقيل : هو الانتضاح . وقال وكيع : هو الاستنجاء بالماء .

وخرج نتف الإبط وحلق العانة على المتيسر في ذلك ، ولو عكس : فحلق الإبط ونتف العانة جاز لحصول النظافة بكل ذلك ، وقد قيل : لا يجوز في العانة إلا الحلق ; لأن نتفها يؤدي إلى استرخائها ، وذكره أبو بكر بن العربي .

التالي السابق


الخدمات العلمية