المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
403 (11) باب

ما جاء في البول قائما

[ 205 ] عن أبي وائل ; قال : كان أبو موسى يشدد في البول ، ويبول في قارورة ، ويقول : إن بني إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض . فقال حذيفة : لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد ، فلقد رأيتني أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتماشى ، فأتى سباطة قوم خلف حائط ، فقام كما يقوم أحدكم ، فبال ، فانتبذت منه ، فأشار إلي فجئت ، فقمت عند عقبه حتى فرغ .

زاد في رواية : فتوضأ فمسح على خفيه .

رواه البخاري ( 226 ) ، ومسلم ( 273 ) ، وأبو داود ( 23 ) ، والترمذي ( 13 ) ، والنسائي ( 1 \ 35 ) .


[ ص: 525 ] (11) ومن باب ما جاء في البول قائما

(قول أبي موسى : " إن بني إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه ") يعني الجلود التي كانوا يلبسونها ، وقد سمعت بعض أشياخي من يحمل هذا على ظاهره ، ويقول : إن هذا كان من الإصر الذي حملوه ، والله تعالى أعلم .

وقرضه : قطعه . والسباطة : المزبلة . وقول حذيفة : " فانتبذت منه " أي : صرت منه بعيدا .

واختلف العلماء في البول قائما ; فمنعه قوم مطلقا ، منهم عائشة وابن مسعود . وقد رد سعد بن إبراهيم شهادة من بال قائما ; متمسكين في ذلك بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه قال لعمر وقد رآه يبول قائما : " يا عمر ! لا تبل قائما " ، قال : فما بلت قائما بعد ، وبقول عائشة : " من حدثكم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبول قائما فلا تصدقوه ، وما كان يبول إلا قاعدا " .

وذهب الجمهور إلى جواز ذلك ; إذا أمن مما يؤدي إليه : من تطاير البول ، وانكشاف العورة ; مستدلين بحديث حذيفة هذا ، منفصلين عن حديث عمر ، فإن في إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق ، وهو ضعيف ، وعلى تقدير تسليم صحته فكأن ذلك لما يؤدي إليه من التطاير [ ص: 526 ] والانكشاف ، وعن حديث عائشة : فإنها أخبرت عما أدركته من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا شك في أن بوله قاعدا كان أكثر أحواله ، ولا يلزم من قولها تكذيب حذيفة ; إذ هو العالم العلم المرجوع إليه في قبول الأحاديث بإجماع الصحابة . وقد انفصل المانعون عن حديث حذيفة : باحتمال أن يكون فعله لجرح بمأبضيه ، أو لنجاسة السباطة ، فلم يمكنه القعود فيها ، أو لأنه كان بين الناس ولم يمكنه التباعد ; لأن البول حفزه ؟ فبال قائما ; لئلا يخرج منه حدث ، كما قد جاء عنه أنه قال للذي كان معه : " تنح عني ، فإن كل بائلة تفيخ " .

والجواب : أن هذه الأوجه وإن كانت محتملة ، إلا أن حذيفة كان شاهدا لحالته كلها ، واستدل بهذا الفعل على جواز البول قائما ، وعلى ترك التعمق في التحرز من النجاسة ، فلو كان هناك شك من تلك الاحتمالات لما استدل به ، ولنقل ذلك المعنى ، والله أعلم .

وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتوار على خلاف عادته ; لأن البول حفزه ، والله أعلم . ومع ذلك فارتاد لبوله السباطة خلف الحائط ، ويقال : إنه استقبل الجدار ، واستتر من المارين خلفه بحذيفة ، ولذلك دعاه فقام عند عقبه حتى فرغ ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية