المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
401 (12) باب

المسح على الخفين والتوقيت فيه

[ 206 ] عن همام ; قال : بال جرير ، ثم توضأ ، ومسح على خفيه ، فقيل : تفعل هذا ؟ فقال : نعم . رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه .

قال إبراهيم : كان يعجبهم هذا الحديث ، لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة .

رواه أحمد ( 4 \ 358 ) ، والبخاري ( 387 ) ، ومسلم ( 272 ) ، وأبو داود ( 154 ) ، والترمذي ( 93 ) ، والنسائي ( 1 \ 81 ) .


[ ص: 527 ] (12) ومن باب المسح على الخفين

أنكر طائفة من أهل البدع المسح على الخفين في السفر والحضر ، كالخوارج ; لأنهم لم يجدوه في القرآن ، على أصلهم وردهم أخبار الآحاد ، وأنكرته الشيعة ; لما روي عن علي أنه كان لا يمسح . وأنكره غير هؤلاء زاعمين أن التمسك بآية الوضوء أولى ; إما لأنها ناسخة لما تقدمها من جواز المسح الثابت بالسنة ، وإما لأنها أرجح من أخبار الآحاد .

وأما جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى فالمسح عندهم جائز . قال الحسن : حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح على الخفين ، ثم إنه قد ورد من الأحاديث الصحيحة والمشهورة ما يفيد مجموعها القطع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين . وقد روي عن مالك إنكار المسح على الخفين ، وليس ذلك بصحيح مطلقا ، وإنما الذي صح عنه من رواية ابن وهب في هذا ; أنه قال : لا أمسح في حضر ولا سفر ، نقلها أبو محمد بن أبي زيد في " نوادره " وغيره . فظاهر هذا أنه اتقاه في نفسه .

وقد روى ابن نافع في " المبسوط " عن مالك ما يزيل كل إشكال ، أنه قال له عند موته : المسح على الخفين في الحضر والسفر صحيح ، يقين ، ثابت ، لا شك فيه ، إلا أني كنت أجد في خاصة نفسي بالطهور ، [ ص: 528 ] ولا أرى من مسح مقصرا فيما يجب عليه ; وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل قول مالك .

كما روي عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا أخفافهم ، وخلع هو وتوضأ ، وقال : " حبب إلي الوضوء " . ونحوه عن أبي أيوب . قال الشيخ - رحمه الله - : وعلى هذا يحمل ما روي عن علي . قال أحمد بن حنبل : فمن ترك ذلك على نحو ما تركه عمر ، وأبو أيوب ، ومالك ، لم أنكره عليه ، وصلينا خلفه ولم نعبه إلا أن يترك ذلك ولا يراه ، كما صنع أهل البدع ، فلا نصلي خلفه .

فأما من أنكر المسح في الحضر - وهي أيضا رواية عن مالك - فلأن أكثر أحاديث المسح إنما هي في السفر ، والصحيح جواز المسح فيه ، إذ هو ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله وفعله ، وحديث السباطة مما يدل عليه ; حيث كانت السباطة خلف الحائط ، بل قد روي في ذلك الحديث عن حذيفة ، قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة . . وذكر الحديث .

وقد روى أبو داود عن بلال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل الأسواق لحاجته ، ثم خرج فتوضأ ، ومسح على خفيه . والأسواق : موضع بالمدينة . وسيأتي حديث علي في توقيت المسافر والمقيم .

و (قول النخعي : " كان يعجبهم ") يعني : أصحاب عبد الله ، وقد جاء في [ ص: 529 ] رواية مفسرا هكذا . وإنما أعجبهم ذلك ; لأنه إنما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أسلم ، وأسلم بعد نزول المائدة ، فمسح النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول المائدة ، فلا تكون آية الوضوء التي في المائدة ناسخة للسنة الثابتة في ذلك ، ولا مرجحة عليها ; خلافا لمن ذهب إلى ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية