المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4451 (43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

[ 2336 ] عن ابن عمر أنه كان يقول: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، حتى نزل في القرآن: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [الأحزاب: 5].

رواه أحمد ( 2 \ 77 )، والبخاري (4782)، ومسلم (2425)، والترمذي (3209).
[ ص: 306 ] (43) ومن باب: فضائل زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويكنى: أبا أسامة بابنه أسامة بن زيد ، وكان أصابه سباء في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل النبوة بمكة ، وزيد ابن ثماني سنين، فأعتقه، وتبناه النبي صلى الله عليه وسلم فكان يطوف به على حلق قريش ويقول: " هذا ابني وارثا، وموروثا " - يشهدهم على ذلك -. وذكر عن الزهري : أنه قال: ما علمت أحدا أسلم قبل زيد . وروي عن الزهري من وجوه: أن أول من أسلم خديجة . وقتل زيد بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمره في تلك الغزاة، وقال: " إن قتل زيد فجعفر، فإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة " فقتل الثلاثة في تلك الغزاة، ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي زيد ، وجعفر بكى، وقال: " أخواي، ومؤنساي، ومحدثاي ".

و (قوله: " ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد ابن محمد ") كان التبني معمولا به في الجاهلية والإسلام، يتوارث به، ويتناصر، إلى أن نسخ الله ذلك كله بقوله: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [الأحزاب: 5] أي: أعدل. فرفع الله تعالى [ ص: 307 ] حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى الأولى والأعدل أن ينسب الرجل إلى أبيه نسبا، ولو نسب إلى أبيه من التبني، فإن كان على جهة الخطأ - وهو أن يسبق اللسان إلى ذلك من غير قصد - فلا إثم، ولا مؤاخذة، لقوله تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ، [الأحزاب: 5] أي: لا إثم فيه، ولا يجري هذا المجرى إطلاق ما غلب عليه اسم التبني، كالحال في المقداد بن عمرو ، فإنه قد غلب عليه نسب التبني، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود ، فإن الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية، وعرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو ، ومع ذلك فبقي ذلك الإطلاق عليه، ولم يسمع فيمن مضى من عصى مطلق ذلك عليه، وإن كان متعمدا. وليس كذلك الحال في زيد بن حارثة ، فإنه لا يجوز أن يقال فيه: زيد بن محمد ، فإن قاله أحد متعمدا عصى، لقوله تعالى: ولكن ما تعمدت قلوبكم [الأحزاب: 5] أي: فعليكم فيه الجناح. والله تعالى أعلم. ولذلك قال بعده: وكان الله غفورا رحيما [النساء: 96] أي: غفورا للعمد ورحيما برفع إثم الخطأ.

ومعنى قوله تعالى: ادعوهم لآبائهم [الأحزاب: 5] أي: انسبوهم إليهم، ولذلك عداه باللام، ولو كان الدعاء بمعنى: النداء لعداه بالباء.

وقوله: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم [الأحزاب: 5] فانسبوهم إليكم نسبة الأخوة الدينية التي قال الله فيها: إنما المؤمنون إخوة [الحجرات: 10] والمولوية التي قال فيها: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة: 71] وقد تقدم: أنه يقال: مولى على المعتق، والمعتق، وابن العم، والناصر.

[ ص: 308 ] و (قوله: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمر عليهم أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - هذا البعث - والله تعالى أعلم - هو الذي جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة ، وأمره عليهم، وأمره أن يغزو أبنى، وهي القرية التي هي عند مؤتة - الموضع الذي قتل فيه زيد أبو أسامة -، فأمره أن يأخذ بثأر أبيه. وطعن من في قلبه ريب في إمارته، من حيث: إنه من الموالي، ومن حيث: إنه كان صغير السن؛ لأنه كان إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وقد برز هذا البعث عن المدينة ، ولم ينفصل بعد عنها، فنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية